المقال:
وصلتنى رسالة من القارئة/ شيرين رشاد، تقول فيها
«أريد منك أن يتسع صدرك لعرض أمر يؤلمنى لما فيه من جور وظلم من المفترض أنه انتهى بقيام ثوره ٢٥ يناير. إننى لست إخوانية أو سلفية أو صوفية أو أياً من هذه التصنيفات المتداولة، التى أسمع عنها كثيراً هذه الأيام.. إننى بكل بساطة مسلمة فقط أحب دينى وأرى فيه كل ما يحتاجه الإنسان ليحيا حياة كريمة فى الدنيا والآخرة فضلاً عن اتفاق تعاليمه مع الفطرة الصحيحة للإنسانية.
مشكلتى الآن هى عدم فهمى أسباب الهجوم الدائم والمستمر من قبل بعض النخبة المثقفة فى مجتمعنا على المسلمين.. فأنا أرى بكل حيادية أن الأغلب والأعم من وسائل الإعلام دائم الهجوم على المسلمين، ولعلك تعلم جيداً يا سيدى وتتفق معى على أن فى كل فئة فى المجتمع (سواء من المسلمين أو المسيحيين أو الليبراليين أو العلمانيين أو غيرهم) من يخطئ ومن يصيب، حتى أصبح يساورنى الشك فى وجود لوبى مكون من بعض نخب الإعلاميين والمثقفين للنقد غير البناء ذى النظرة الأحادية لبعض المواقف دون البحث الموضوعى والعميق لأسباب تلك المواقف التى فى النهاية لا تعبر سوى عن شخص فاعلها ولا تعبر عن دينه.
على النقيض من ذلك أرى مصالحة وغض طرف من قبل تلك النخبة عن بعض المواقف للإخوة المسيحيين المماثلة والشبيهة فى المضمون مع مواقف بعض المسلمين وآخرها - وليس بآخرها - موقف الإخوة الأقباط الرافض لما سُرّب من مشروع قانون دور العبادة الموحد نحو خضوع الكنائس لإشراف مالى ودعوىّ من الدولة كما هو متبع مع دور عبادة المسلمين، حيث تشرف الدولة عليها وتنظم أعمالها من خلال وزارة الأوقاف الإسلامية.. فلماذا لا تكون هناك وزارة أوقاف مسيحية لها نفس الاختصاصات.. فأين الدولة المدنية؟
دولة المؤسسات التى تحكم وتدير وتشرف بغض النظر عن الدين والعقيدة. هل ترانى مخطئة فى هذا الأمر، وسأشهد الأيام القادمة نقداً موضوعياً من نخبة المثقفين والإعلاميين لرفض القيادات المسيحية هذا الأمر، أم ستزداد هواجسى؟ سيدى: خطابى هذا يحمل بين سطوره سبباً من أسباب الاحتقان الطائفى فى بلدنا مصر».
تطرح رسالة القارئة الكريمة قضيتين منفصلتين يتعين التمييز بينهما بدقة. الأولى تتعلق برؤيتها لحدود النقد المباح عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة، مثل علاقة الدين بالسياسة ومحاولات البعض توظيفهما لخدمة أغراض دنيوية لن تحقق صلاح أى منهما، والثانية تتعلق بمطالبتها بإنشاء وزارة أوقاف مسيحية تتولى نفس اختصاصات وزارة الأوقاف الإسلامية، وتكون جزءاً من دولة مؤسسات «تحكم وتدير وتشرف بغض النظر عن الدين والعقيدة»
وفيما يتعلق بالقضية الأولى أعتقد أنه يجب علينا ألا نخلط بين نقد يوجَّه للمسلمين أو للمسيحيين بصفتهم كذلك، أى بصفتهم أتباعاً لعقيدة دينية معينة، وبين نقد يوجَّه لتيارات سياسية تتخذ من الدين، الإسلامى أو المسيحى، مرجعية لها، فما يدخل فى نطاق النوع من النقد يعد - فى رأيى - غير مقبول على الإطلاق، لأن الشرائع السماوية نفسها تحرمه، خصوصاً الدين الإسلامى الذى يقوم على حرية العقيدة ويعترف لكل إنسان بحقه المطلق فى اختيار دينه عملاً بقوله تعالى: «لا إكراه فى الدين» و«لكم دينكم ولى دين».
ومن ثم يتعين النظر إليه باعتباره فعلاً مجرماً يتعين فرض عقوبة رادعة على كل من يرتكبه، أياً كانت ديانته.
أما ما يدخل فى نطاق النوع الثانى فقد يدخل فى حدود النقد المباح، شريطة الالتزام بأدب الحوار، لأنه ينصب على رؤى «أيديولوجية» للدين وليس على الدين ذاته. وقد بدا الخلط واضحاً بين الدينى والسياسى فى رسالة القارئة الكريمة حين قامت بتصنيف «فئات المجتمع»، وقالت إنهم قد يكونون من المسلمين أو المسيحيين أو الليبراليين أو العلمانيين أو غيرهم، فالليبرالية والعلمانية أو حتى الماركسية، أفكار سياسية لا تسقط الهوية الدينية عن كل من يتبناها، إذ يمكن للمسلم والمسيحى، بمن فى ذلك المتدينون منهم، أن يكونوا فى الوقت نفسه علمانيين ليبراليين، أو حتى ماركسيين، إذا فُهمت هذه المصطلحات على وجهها الصحيح.
أما فيما يختص بالقضية الثانية، التى تدور حول اقتراح إنشاء وزارة للأوقاف المسيحية، فهى مثارة بشدة هذه الأيام فى سياق الجدل الدائر حول «مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة»، وهو موضوع معقد يحتاج إلى معالجة، وربما معالجات، منفصلة. وإلى أن تتاح هذه الفرصة أكتفى هنا بالقول إننى أؤيد بشدة وجهة النظر القائلة بضرورة المساواة بين المسيحيين والمسلمين فى كل شىء، وليس فى البناء فقط. فالقانون الموحد لبناء دور العبادة لن يكفى وحده لاستئصال الطائفية من جذورها، بل قد يحتوى على ألغام تزيد المشكلة الطائفية تعقيداً.
لذا يجب أن يأتى هذا القانون فى سياق معالجة أشمل لدور مؤسستى الأزهر والكنيسة كمؤسستين روحيتين مستقلتين يجب ألا يخضع أى منهما لهيمنة الحكومة أو التبعية لها إدارياً أو مالياً، مع الاكتفاء بإنشاء وزارة للأديان، يُعيَّن لها وزير يتابع نشاطهما ويقوم بدور المنسق بينهما وبين الحكومة دون تدخل فى شؤونهما الداخلية، وتعود الأوقاف الإسلامية والمسيحية للأزهر والكنيسة لتمكينهما من تنظيم سبل الإنفاق على أنشطتهما بعد إصلاحهما من الداخل بما يتفق مع الصلاح الذى ينشده الشعب لشؤون دينه ودنياه. فالصراع الدائر فى مصر حالياً ليس فى جوهره دينياً ولا طائفياً لكنه يدور حول طبيعة ودور الدولة. ونجاحنا معاً، مسلمين وأقباطاً، فى بناء دولة القانون هو الطريق الوحيد لاستئصال جذور الفتنة.. والله أعلم
الرد:
الأستاذ الدكتور / حسن نافعة
بعد التحية
لقد قرأت الرسالة التي أرسلتها القارئة / شيرين رشاد في عمودك اليومي الذي أتابعه بشكل دائم وساعدني كثيرا علي اتخاذ الآراء التي انتهجها وأذكر أنني اتخذت قرار رفض التعديلات الدستورية بعد قراءة مقالك عن أسباب رفض هذه التعديلات.
ولكني استشعرت من أفكار هذه الرسالة إنها تمثل آراء كثير من المصريين المتدينين البعيدين عن استقطاب أي تيارات أو جماعات دينية، وقد لاحظت أن إحساس الجور والظلم العام الذي سيطر علي نفوس جميع المصريين قبل الثورة مازال سائدا ومتوطن داخل الطرفين ويشعر كل طرف أن التمييز موجه ضده وحده وليس الآخر.
وأري أيضا أن الخلط الذي تنتهجه التيارات الإسلامية عند نقد أرائهم أو سياسيتهم كأنه موجه للدين نفسه أو المسلمون عموما قد تسرب داخل كثير من المصريين، ومن متابعتي للأحداث لا أجد من يهاجم الدين أو المتدينين لكن النقد دائما موجه لمن يتخذون الدين درع لتمرير أفكارهم دون مراجعة أو معارضة، وهذا الخلط واضح من تصنيف المصريين كـ (مسلمين أو مسيحيين أو ليبراليين أو علمانيين) وحضرتك قد وضحت أن الأفكار السياسية لا تسقط الهوية الدينية.
أما عن القانون الموحد لبناء دور العبادة، فأحتار كثيرا من مخزاه والقيود التي تتخلله فالمراد منه هو تحرير الكنائس من سيطرة الخط الهمايوني العثماني الذي ذهبت أيامه وبقي خطه وكذلك أيضا الشروط العشرة لوزير الداخلية العزبي باشا سنة 1934 التي وضعها لتحجيم وتصعيب بناء الكنائس وبقاءها رغم زوال الملكية التي ظهرت في عصرها، فلماذا إذا تعميم القيود علي الكنائس والمساجد معا من خلال هذا القانون؟!! مما يضع المجتمع في حالة مقارنة ومصادمة واحتقان، مما يدعونا للتفكير في نوايا هذا القانون وهل هذا التصادم سيؤدي لعرقلته؟
ويعاني مجتمعنا حاليا من مقارنات دائمة بغض النظر عن منطقيتها مما دفع احد الكتاب الكبار (فهمي هويدي) لتخصيص أحد مقالاته لمقارنة الاعتداءات بين الطرفين من خلال حادثة ملفقة لفتاة مدعية خطفها من قبل بعض الأقباط بغض النظر عن صدق الرواية، ولكن بسؤال بديهي الآن تنكشف الحقيقة: أين هي هذه الفتاة الآن؟ّ ولماذا لم تتقدم ببلاغ رسمي للتحقيق في حاثة خطفها؟! فالهدف من ذكر هذه الرواية الإشارة إلي أن مجتمعنا لم يتخلص بعد من شعور التمييز ضده ولا يسأل نفسه عن هذا التمييز من من؟ وضد من؟!!
مع العلم أن هذا إصدار قانون ييسر بناء الكنائس سيقف أمام كثير من المشاكل التي تحدث عند بناء كنيسة حيث أن طريق بناء الكنيسة هو طريق مسدود ومليء بالصعوبات و التعنت كذلك الاعتراضات علي فتح الكنائس من قبل المحيطون من جيرانها تكون بحجة عدم قانونيتها !!! بحيث أصبح الجماهير المحتشدة هي الحامية للقانون وليس الدولة مثلما حدث في حالة كنيسة عين شمس، ولذا وجب وجود مثل هذا القانون.
أن الدعوة لسيطرة الدولة علي المؤسسات الدينية اعتقادا أن هذا من مدنية الدولة هو خلط للمفاهيم، فكيف تظل الكنائس بعيدة عن السياسة وهي تحت إشراف مالي ودعوي من الدولة، أليس هذا هو تسييس الدين؟ وهل سيتحول قساوسة الكنيسة والعاملون بها موظفون في الدولة ؟! مع الإشارة أن المطلب الأصلي كان هو فقط تيسير استخراج تصاريح بناء الكنائس وليس تلقي دعم من الدولة أو بناء الكنائس علي نفقة الدولة.
أن مجتمعنا به الكثير من الأفكار المغلوطة والمخلوطة يجب أن توضح حتى نصل إلي مجتمع مصري جديد خالي من الأمراض الاجتماعية والنفسية المتوطنة منذ زمن طويل.
No comments:
Post a Comment