الظلم آفة البشرية
وربما ليس من قبيل الصدفة أن تتشابه كلمة
"الظلم" في حروفها مع "الظلمة" حيث أن في كلا الحالتين يكون
الإنسان قابع متألم تحت تأثير الظلم و الظلمة، فالظلم هو الذي يجعل من الأرض أرض
دنيا وانعدامه يجعل من الجنة جنة عليا، وكثيرا ما عانى الإنسان من الظلم، وكثيرا
ما ظل باحثا عن كرامته الإنسانية؛ لأن الظلم هو سلب الحقوق والكرامة هي الحصول
عليها.
وقد انفرد الإنسان عن جميع مخلوقات الأرض
بظلم إنسان آخر شريك له في الإنسانية من خلال
القوة الفردية البدنية أو القوة الجماعية العسكرية ، وقد برر البعض احتمال الظلم
بحجة اجتياز الظروف الحالية الصعبة والمرور من عنق الزجاجة، ولكن لن يكون الظلم هو
الوسيلة التي تبرر الغاية مهما كانت حسنة؛ لأن إن كانت كرامة الإنسان هي الغاية،
كيف يكون الظلم هو وسيلتها؟
وتميز الإنسان أيضا عن باقي المخلوقات أنه
استطاع أن يأكل لحم إنسان آخر إرضاء لذاته ولغريزة الحياة، فقد نجد الوحوش
والضواري من الممكن أن يتقاتلوا حتى الموت، ولكننا لم نجد أحدهم أكل لحم الآخر،
أما في عالم الإنسان وجد ما يُعرف بـ "آكلي لحوم البشر" وعادة ما يأكلون
الغرباء الغير منتميين لنفس القبيلة، حيث أن علة هذا المسلك هو امتهان كرامة الآخر
وتحقيره.
وإن كان هذا النموذج غير موجود في العالم
المتحضر الآن؛ هذا لأن مظاهر الظلم تغيرت من مادية جسدية إلى معنوية حقوقية، ورغم
ذلك ظل الظلم البدني موجودا حيث تنتهك كرامة الإنسان في أوقات الحروب والاضطرابات،
أو بسبب الخلافات السياسية أو المذهبية، وهذا ما يحدث في الحروب الأهلية التي عادة
ما تقوم بسبب اختلافات عرقية أو مذهبية.
وبدون تعجب – تجد إن في المجتمعات ذات الرفاهية
المحدودة أو المهزوزة أو المعدومة يطبق" قاعدة العرض والطلب" حتى على
الإنسان، فعندما يكون المعروض من فرص العمل أقل بكثير من طالبيها تقل قيمة طالب
العمل ويقتطع أجزاء من حقوقه، أما صاحب العمل فيتجبر ويتكبر ودائما ما يهدد العامل
بأنه إن لم يرغب في هذا العمل سيجد في خلال دقائق معدودة العشرات ممن يرضون به،
ولا يجد العامل مفر من القبول بالأمر الواقع، وهذا ما يؤدي غالبا للثورة؛ لذلك نجد
العمال دائما في مقدمة الغاضبين والثائرين.
والإنسان عندما تسامى عن التغذي على دماء
الإنسان، تغذى عليه بشكل آخر عندما استعبد الآخر الضعيف وسلب حقوقه، حتى لو كانت
العبودية بصورتها القديمة غير موجودة الآن، لكن العبودية الحديثة تم السماح فيها
للمستعبَد أن يقبض جزء من ثمن استعباده؛ فعمالة الأطفال والمتاجرة بالأجساد وتسخير
الأفراد في أعمال ضد الإنسانية تعتبر من أشكال العبودية.
وأحيانا ما يلبس الظالمون رداء الحملان ويبررون
ظلمهم أما بدعاية سياسية بأن هذا هو النظام وبديله الفوضى، أو بغطاء ديني، أو
شعارات عاطفية بأننا علينا أن نتعب ونتغاضى لكي نجتاز المرحلة الصعبة، أو باتهامات
تخويفية وتخوينية من خلال نظرية المؤامرة بتشويه المعارضين بأنهم أصحاب الأجندات
الخارجية.
لذلك كانت الثورات على مر التاريخ ضد الظلم
وبحثا عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإن لم يصل العدل للشعوب، فلن
تتوقف الثورات.
No comments:
Post a Comment