يحكي أنه في غابة بعيدة عنا في الزمان والمكان وكان يحكمها "الطاووس" وكان يفتخر بريشه وألوانه وهشاشة ريشه كانت تخفي حقيقته ولذا اتخذ له مجموعة من "الأسود" و "الثعالب" لحماية مملكته وسلط الثعالب علي الحيوانات لكي بمكرها تسيطر عليهم وكانت الأسود تحمي حدود مملكته وأخذ الطاووس يترف ويترهل وكلما ترهل زاد مظهر ريشه في اللمعان وكبر وكان لا يعلم إن ترهله هو سبب نهايته
فاجتمعت مجموعة من الأسود المتحمسة الحرة محدثين بعضهم البعض: "ها نحن نحمي الطاووس ونحن من نتعب ونسهر ويكون الشقاء نصيبنا ويبقي الطاووس ناشرا ريشه مفتخرا ونحن الآن لسنا بحاجة لتسلطه علينا لذا لابد من التخلص منه"
فقال أحد الأسود: هل سيكون من السهل ذلك؟ وهل سيتنازل الطاووس عن مملكه دون مقاومة؟
فرد آخر ضاحكا: الطاووس لا يهتم إلا بمجده وملذاته فإن ضمنا له الخروج بكرامته ومجده فلن يجد مبرر للمقاومة
وفعلا أجتمع الأسود ثائرين علي الطاووس وطلبوا منه مغادرة الغابة، فقال الطاووس: سأرحل ولكن سأخرج من قصري ناشرا ريشي يمينا ويسارا وستعطون لي جميعكم التحية
فضحكوا الأسود وقالوا: سنرضي غرورك في آخر يوم لك
فعندما رأي جميع حيوانات الغابة هذا المشهد فرحوا برحيل الطاووس المغرور، رغم أن الطاووس كان لا يتعمد أذية أحد وكان يريد أن تعيش جميع الحيوانات في خير وسلام ولكن ترهله منعه من ذلك
فعندما أجتمع الأسود الطاردون للطاووس وجدوا أنفسهم فجأة في الحكم فقد أصبحت الغابة تحت سيطرتهم، فاقترح أحد الأسود أن يترك "للقرود" تدبير أمور الغابة من تنظيم زراعة وتأمين مأكل ومشرب جميع الحيوانات لفطنتهم ومهارتهم وسرعتهم، فثار جميع الأسود ضده قائلين: بعد أن نتعب ونعرض أنفسنا للموت من أجل استعادة الغابة نترك إدارتها بسهولة لآخرون، نحن الأقدر علي إدارة أمور الحكم , وحبسوا هذا الأسد في كهفه حتى موته
واختاروا أحد الأسود منهم ليكون سيد علي الغابة وكان هذا الأسد مشهور بزئيره القوي وصوته العالي فكان كل الحيوانات تشعر بالأمان عند سماع صوته ولكن هذا الأسد لا يعرف أن يحكم إلا بقبضته ومخالبه وكانت شعبيته وحماسته تلهب أفئدة جميع الحيوانات وكان حلمه أن يجمع كل الغابات المحيطة تحت لوائه ليستطيع أن يصد عدوان "التماسيح" الراكدة في المياه الضحلة في البحيرة التي في شرق الغابة وطامعين في السيطرة علي المجري المائي الذي يصل البحيرة بالغابة
أما باقي الحيوانات فاستشعروا بنسيم الحرية بعدد رحيل الطاووس، فنادت "الخيول" بأن يكون كل الحيوانات سواء وشركاء في كل شيء وكل خيرات الغابة مشتركة بين جميع الحيوانات ولا يوجد فرق بين أحد منهم، ورغم أن الأسد كان ينادي بذلك ولكن استشعر منهم أنهم يريدون اقتسام السيطرة علي الغابة معه فأطلق ثعالبه عليهم حتى يحدوا من خطورتهم، ومن الناحية الأخرى لم يطمئن لتماسيح البحيرة إلا إنهم كانوا الأسبق وهاجموا الغابة بشراسة وسيطروا علي المجري المائي الواصل بين الغابة والبحيرة ووجهوا ضربة شرسة للأسد فأنكسر من داخله ومات من تأثير الصدمة
فتولي "أسد" آخر الحكم، أما هذا الأسد فقد تقلد الحكم في الغابة وهي مكسورة وجميع الخيول بصهيلها تزعجه وتقلق منامه ولأنه في هذه الظروف لا يستطيع أن يوجه ضربة للخيول الذين يريدون اقتسام كل شيء بنفسه ، اختار أن يعطي حرية أكثر "للذئاب" الساكنون في كهوف الجبال لينزلوا للغابة ليسيطروا علي جزء منها ويقاوموا الخيول الذين لم يصمدوا أمامهم
أما "الذئاب" لأنهم تعودوا سكن الجبال لما رأوا أحوال الغابة لم تعجبهم لأن حياتهم الجافة في الجبال لم تعرفهم طبيعة الحياة في الغابة، فقد استغربوا حرية "الغزلان" وسلوكها وحرية حركتها وتعاملها رغم علمهم أنهم مطمع للكثير من الحيوانات الأخرى، ولكن الغزلان كانوا يرون أن جمالهم في حريتهم وان حبسوا في كهوفهم لن ينعموا بالضياء ولا بالنسيم ولن تستطيع أرجلهم العدو كطبيعتهم، ولاموا علي الذئاب لأنهم بدل من أن يقفوا ضد الطامعين في لحومهم بغير حق، أرادوا من الغزلان أن تتواري عن المشهد بخلاف طبيعتهم، وقانون الحياة في الغابة يقول:"أن من يترك مكانه وينعزل يفقده للأبد" وهذا ضد القانون الطبيعي للغابة القائم علي التكامل بين جميع الحيوانات
والأكثر من ذلك أن منهج الذئاب شجع "الضباع" أيضا أن تظهر في المشهد وتتشجع، فقد كانت "الضباع" تتحين الفرصة لتظهر وتركب نفس موجة الذئاب، فقد كان مظهرهم يرهب الحيوانات بالشعر الكثيف الذي يحيط وجوههم وفرائهم القصيرة التي تظهر أرجلهم من تحتها وتكشف عن مخالبهم، وزادت مطامعهم بعد أن كانوا يأكلون الجيف المتخلفة عن الذئاب، فقد صاروا يتطلعون للاصطياد والمبادرة في الهجوم، وخصوصا أن الضباع كانت تتعمد إحداث المعارك في الغابة لتمارس هوايتها الطبيعية في التغذي علي لحوم الضحايا
أما الأسد فوجد أنه في موقف لا يحسد عليه لأنه فعل ذلك من أجل مقاومة الخيول فقط ولكنه لم يلتفت لسطوة الذئاب والضباع ولأنه يعد العدة لمباغتة التماسيح التي كسرت هيبة الغابة وفعلا نفعت خطته وانكسرت التماسيح أمام مخالبه وسيطر علي المجري المائي، وعندما كان راجعا فرحا بانتصاره هاجمته الذئاب الذين ترك لهم الحرية خلفه قبل الذهاب لمحاربة التماسيح وهو في نشوة الانتصار وقتل متأثرا بجراحه دون أن يجني ثمار انتصاره
فتولي حكم الغابة "الأسد" القريب منه وأراد أن يستفيد ويتعلم من سابقيه، فهادن التماسيح لكي يستريح من أتعابهم تاركا لهم أسماك البحيرة لكي لا يهاجموا أرض أو حيوانات غابته، والتفت إلي الذئاب والضباع واعتبرهم في مقدمة أعدائه، ورأي في "الثعالب" أنهم الأقدر علي محاربتهم وتثبيت أركان مملكته مع حفظ اعتبار الأسود ومكانتهم، واستطاع أن يجبر الذئاب والضباع أن يرجعوا لجحورهم، ولكن الثعالب أصابها الغرور وزادت من الغوص في الملذات فصار في ظاهرهم القوة والعضلات ولكن في باطنهم الضعف والشحم
فظهر في مجتمع الغابة "اليمام" العاشق للحرية والمبشر بها ولا يرضي أن يكون داجنا ويهوي الطيران للأعالي ولا يسلم من مهاجمة "الذئاب" أو "ضباعهم" وظهر أيضا "الحملان" الذين يرون أنفسهم دائما المطمع والمأكل والأضعف ولا يهدئون فترة حتى يفاجئوا باحدي حظائرهم تهاجم ويخطف ويأكل من قطيعهم البعض
ومرت السنون والوضع في الغابة راكدا لكنه متحفزا مجرد برق بسيط يسطع في سمائها يشعل في أشجارها النيران وينهك قواها، ولا يوجد أحد عنده أمل في تغير الأحوال، و"الأسد" مسيطر بقبضة "الثعالب" المترهلة المغرورة الغير مختبرة
ومن فرط غرور الثعالب أرادوا في يوم أن يستعرضوا قوتهم والاحتفال بسطوتهم ولم يكن يدركون أن قوتهم واهمة، فثار الحيوانات جميعها ضدهم وضد أسدهم المغرور الذي ترك شبله يسير في الغابة متكبرا ويستحل جميع خيراتها هو والمنتفعون حوله من بعض عجائز الثعالب، والنمور، والأفيال والنعام المسيطرون علي خيرات الغابة، وخصوصا أن هذا الشبل كان يهوي جمع "الأرانب" ليؤمن مأكله وقوته له ولأبنائه من بعده علي مر السنون والأجيال
وهنا ظهر معشر "الأسود" مرة أخري في المشهد، وخصوصا إنهم هم الوحيدون الذين لم يتسرب بينهم الإهمال ولا غرقوا في ترف مزيف وكانوا دائما محافظين علي لياقتهم ومهارتهم في الصيد والقنص ولكن وسط هياج جميع الحيوانات لم يريدوا أن يدخلوا نفسهم في صدام مباشر معهم مدافعين عن أسد يعلمون جيدا أخطائه، فاتفقوا علي حمايتهم بعد إصابة وقتل الكثيرين بمخالب وأنياب الثعالب واعترفوا بأخطاء الأسد الواهم واتفقوا علي تنحيته جانبا فهلل الحيوانات وفرحوا بحماية الأسود خصوصا بعد انسحاب الثعالب مهزومين بعد انكشافهم وافتضاح أمرهم
فعاشت الغابة في أمل أن الغابة ستتغير، فعلي صوت اليمام الحر والغزلان الرشيقة والقرود المهاجرة رجعت لتفيد بذكائها الغابة ولكن تسلل "الذئاب" و"الضباع" للاحتفال إذ تحرروا هم أيضا من بطش "الأسد" وادعوا إنهم هم الذين حثوا الحيوانات علي الثورة وهم أيضا المخططون لها منذ مواسم كثيرة لأنهم هم أكثر من ظلموا من الأسد وثعالبه، فكسبوا تعاطف معظم الحيوانات خصوصا أن جميعهم وقعوا تحت نفس الظلم ونسوا تاريخهم ومواقفهم السابقة، فتعالت أصواتهم مرة أخري من جديد ولم يستطيعوا أن يتركوا طبعهم السابق في افتراس الحيوانات الأخرى ناسين حقهم في الحياة فاصطدموا بالخيول في منطقهم المشترك، واليمام في الحرية والغزلان في الجمال وحتى مع القرود في علمهم ومعرفتهم والحملان في وداعتهم مدعين أن منطق الجبل وكهوفه هو الأفضل و انه لن ينتج مثل هذا الأسد وثعالبه ونسوا أن طبيعة الغابة تختلف عن طبيعة الجبال ومنطق القفر لا يناسبها
وهنا وجد "الحملان" أنفسهم دائما هم المأكل والمطمع وفي جميع الأحوال رغم اختلاف المواسم، فأرادت خلع فرائها وتحويل حوافرها إلي مخالب ولكن طبيعتهم منعتهم من استخدام أسنانهم كأنياب وهي التي لا تأكل إلا العشب
وكان عند غروب الشمس عندما تجتمع الحيوانات عند المياه لتروي عطش النهار كله، كانوا يتحدثون عن مستقبلهم وعن الأقدر علي إدارة أمور الغابة، فرأوا أن الخيول رغم قدرتها علي العدو واشتراكها في جميع الحروب في الماضي لم تستطيع تطوير نفسها لمواكبة تطورات العصر، وأما اليمام فوجدوا أنهم يطيرون فوق رؤوسهم ولا ينزلون لأرضهم فصعب التفاهم معهم، حتى القرود فقد انسحبوا محافظين علي ذكائهم الذي داخل رؤوسهم ولا يوجد بينهم وبين حيوانات الغابة أي اتصال وخشوا من سطوة الذئاب والضباع لما هو معروف عنهم وعن تسلطهم وإهمالهم لشجر الغابة والزرع لأنهم يعتمدون علي الصيد والقنص وطبعا لن تدير الغابة الغزلان والحملان وليس هذا عن تجربة ولكن لأنه لم يحدث هذا من قبل في غابة بعيدة أو قريبة ولأن طبيعة الحيوانات واختلافها لن ترضي بحكم من ليس له أنياب أو مخالب، فلم يجدوا أمامهم إلا "الأسود" الذين يحترمهم الجميع و يوجد لهم اعتبار عند الكل خصوصا مع ازدياد نفوذ وبطش الذئاب والضباع وتزايد أطماعهم
أما "الأسود" عند تجمعهم داخل عرينهم الكبير كانوا مطمئنين أن جميع الحيوانات ستتوسل إليهم لكي يحكموهم نتيجة لتجربتهم المرة في افتقاد أمنهم تارة بمخالب الثعالب وتارة أخري بأنياب الذئاب والضباع ولكنهم كانوا ينتظرون حتى تبح كل الأصوات وتنهك كل القوي وخصوصا أن الأسود هم الملاذ لكل الحيوانات حين تتعرض للاعتداء ليقوموا بحمايتهم وبناء ما تهدم، فاجتمع كل الحيوانات وصاحوا وطالبوا بعودة الأسود وسيطرتهم علي الغابة وصاروا ينادون: " فلتحكم الأسود ... فلتحكم الأسود ... حتى يعود الاستقرار ونجد ما نأكله" ... فهل ستحكم الأسود؟؟ !!!ـ