Saturday, December 17, 2011

دون كيشوت (محارب طواحين الهواء) !! ... هل يعيش بيننا الآن؟؟


"دون كيشوت" أو "دون كيخوتة" كما يُنطَق بالاسبانية هو بطل الرواية الشهيرة التي كتبها الكاتب الأسباني "ميجيل دي سيرفانتس سافيدرا" وفيها يحارب البطل أوهام غير موجودة ولكنه يراها وحده أخطار موجودة وأعداء يستعديهم ويعتبرهم حقيقيين، وقد نتعجب كثيرا من شخصيته وأفعاله ، وقد تثير فينا الضحك والسخرية لنظرته المتحجرة وبصيرته المحدودة.

ففارسنا هذا كان يعاني من الانفصال عن الواقع، فهو رجل نحيف قد ناهز الخمسين من عمره قضي سنوات طويلة منغمسا في وحدته وكُتب الفروسية الغابرة التي انتهي عصرها ولم يتابع مستحدثات عصره ومستجدات زمانه، وبعد سنين من غيبوبته وجد نفسه في زمن لا يراه غيره.

وعندما أراد أن يعيد زمن الفروسية المندثر استعان بسلاحه القديم المتآكل وحاول إصلاحه وموائمته مع الوضع الحالي بقدر الإمكان واخرج حصانه الهزيل الأعجف وشعر أنه أعد العدة لإصلاح الكون.

ومثلما كان يُري في هذه العصور أن لكل فارس تابع ، فاختار له فلاح ساذج يدعي "سانشو" ليتبعه علي وعد أن يملكه احدي الجزر عندما ينجح في غزواته ومن المفارقات الطريفة إن "سانشو" كان ضخم الجثة بعكس صاحبه، وتنشأ المفارقات المضحكة ابتداء بمنظر الرجلين ثم تستمر على طوال هذه الرواية الكوميدية وهذا الفلاح هو الوحيد الذي آمن برؤيته لضيق أفقه ولبساطة حاله وطبعا تحمل منه وبدلا منه كثير من الصعوبات لأنه كان يدفعه لصراعات دون فهم مثل الشجار مع مدنيين حيث أنه كان يري نفسه كفارس أرفع مكانة من الشجار مع مدنيين وكان يتحمل بدلا منه اللكمات والصفعات والضرب بالعصي، وكذلك تحمل منه الجلد معاقبة له علي عدم رؤيته للفتاة القروية السوقية كأميرة جميلة متوجة مثلما كان يراها قائلا له:" تعال، يكفي أن أراها أنا جميلة وشريفة، لقد رسمتها في مخيلتي كما أريدها أن تكون."

وعندما خرج لمواجهة عدوه المرتقب ، اصطدم برؤية طواحين الهواء ولم يكن رآها من قبل فظنها شياطين ذات أذرع هائلة، فتحمس لمحاربتها ولكن طواحين الهواء طرحته أرضا عندما رشق فيها رمحه فرفعته أذرعتها في الفضاء ودارت به ورمته أرضا فرضت عظامه، فهو كان يري نفسه مُصلح للكون ومحارب للشر ولكن باقي أهل القرية  كانوا يتعجبون ممن يحارب ما يعين حياتهم ويسهلها وكان هو الوحيد الذي يري عكس ذلك.

ثم تجيء بعد ذلك معركة الأغنام، فلا يكاد "دون كيشوت" يبصر غبار قطيع من الأغنام يملأ الجو حتى يتخيل انه زحف جيش جرار فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر ليثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه وتنجلي المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط "دون كيشوت" نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة يفقد فيها بعض ضروسه.

ومرة أخري ينقض "دون كيشوت" على عرض دمى متحركة ويقطع رؤوس الجنود (الدمى)، ليمنعهم من اعتقال عاشق وأميرته وهما هاربان معا إلى أحضان الحرية. ثم يعوّض بعدئذٍ صاحب الدمى بسخاء.

في الفصل الأخير نري "دون كيشوت" المحتضر يتبرأ من " أشباح الجهل السوداء" التي جاءته من قراءة كتبه البغيضة عن الفروسية، ويندم على شيء واحد فقط وهو عدم امتلاكه الوقت الكافي لقراءة كتب أخرى يمكن أن تنير الروح !!!

هكذا ظل يعيش في زمان ليس هو الزمان، ويحارب أعداء ليسوا بموجودين ويتوهم مخاطر ليست بمخاطر، ويقاوم مستحدثات عصره لمجرد أنها عكس رؤيته ولا يعرفها ... فهل يعيش "دون كيشوت" بيننا الآن؟


No comments:

Post a Comment