Saturday, March 17, 2012

البابا شنودة الثالث كما أراه وأعرفه

البابا شنودة الثالث كما أراه وأعرفه


في هذا اليوم السابع عشر من شهر مارس لعام 2012 ترك عالمنا البائد قداسة البابا شنودة الثالث وهو الآن في مكان أفضل، في المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة والألم، في المكان الذي لا يوجد به صراع أو غيرة أو كراهية أو حسد.


 إن كان جميعنا حزانى علي الفراق ولكني أراه الآن سعيدا، فأخيرا وقد وصل لما كان يتمنى، فالبابا شنودة لم يترك العالم اليوم ولكنه تركه منذ أكثر من خمسون عاما، عندما ترك كل شيء خلفه وذهب ليتفرغ للحياة مع الله في الصحراء القاحلة والتي يراها فردوسا لوجوده مع الله فيها.


 أي شخص فينا قد يخشى الموت ويضطرب عند سماع سيرته ولا يتخيل يوم انتقاله، أما البابا شنودة فلا يخاف الموت لأنه بالنسبة له هو البوابة التي يعبر بها إلى الراحة، فقد ترك الحياة بإرادته قبل أن تتركه.

أنا لم أقابله شخصيا إلا مرة واحدة في حياتي وكانت صدفة، فقد كنت طفلا صغيرا في التسعينيات وفي يوم عيد القيامة كنت في الكاتدرائية وكان مفاجأته أن يخرج ليوزع علينا كأطفال الشيكولاتة، فأنا مازلت متذكر قطع الشيكولاتة الأربعة التي أعطاهم لي، وعندما أقتربت منه و قبلت يده وأخذتهم منه، شعرت إنه قريب مني جدا ولكن هيبته كانت حاضرة، ولم أشعر بنفس الإحساس عند مقابلة أي شخص آخر.

 
 نحن جيل بأكمله فتحنا عيوننا لنجده رأسنا وأبونا ورمزنا وقدوتنا، لم نعرف غيره، وأتذكر كيف كنا نجلس أمامه كل أربعاء بإنصات شديد لاستماع كلماته وتعليمه وكم الكتب التي تركها لنا لتشكل لنا فكرنا وتروي عطشنا تجاه معرفة الله فتعطينا الأجوبة الشافية.


 وأتذكر أيضا كم من الآلام التي مر بها عبر تاريخه الطويل وكثير من الظلم الذي تحمله وكان مبدأه: ألا يدافع أو يرد إن هاجمه أحد أو أنتقده شخصيا، ولكن إن هاجم أحد الكنيسة أو خالف التعاليم الصحيحة هو من يقف له بشدة وبأس، فعندما تم تحديد إقامته في أيام السادات قال: "أنا سعيد لأني رجعت راهب مرة أخرى" ولم يحزن قط ودائما كان يقول: "ربنا موجود، كله للخير، مسيرها تنتهي" هذه الكلمات البسيطة التي تعبر عن الإيمان العميق، وعن معاملة الناس كان يقول: "إن تكلمنا فيما هو متفق عليه، فلن نجد الوقت للأختلاف".


 تعرض البابا شنودة كذلك للعديد من الآلام داخليا وخارجيا، فأتذكر الآن كيف كانت تنظم المظاهرات قبل الثورة لمهاجمته وسبه، وكيف هاجمه داخليا من يريدون أن يخالفوا المبادئ المسيحية وهو من لم يفرط فيها مطلقا، ووقف أمام السادات بمنتهى القوة لمساسه بها، أما إن تكلمنا عن ألم المرض وتقدم العمر، سيطول الحديث وسيفرغ الاحتمال.


 عندما كنت استمع أحد ينتقد أي تصرف للبابا شنودة خصوصا في الفترة الماضية الكثيرة الأحداث، كان قلبي ينقبض وأقول: إنه ينفذ تعاليم الإنجيل دون أن يعمل أي حساب لأهواء الناس أو الظروف السياسية لأنه يعرف جيدا "أنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" وكان عندما يقول لي أحد: إننا لا نجد أي مبرر لتصرفاته، أقول: يجب أن ندرك إننا لا نرى كل شيء كما يراه، وأكيد في الفترة القادمة ستنكشف كثير من الأسرار التي تثبت صحة وجهة نظره وتصرفاته.

 تعلمت منه كيف يخاطب الناس بكلمات يفهمها الجميع، إن كانوا شيوخ أو شباب، رجال أو نساء، متعلمين أو أميين، مسيحيين أو مسلمين أو حتى من لا يؤمنون بأي دين، فمقالته الأسبوعية في جريدة "الأهرام" كانت أفضل مثال في مخاطبة العقول والقلوب بغض النظر عن ديانة من يقرأها، وكذلك تعلمت من كتبه – التي أثرت الفكر المسيحي – كيف أفكر وكيف أتكلم.


 أنا مؤمن تماما إن البابا شنودة لم يمت ولكنه حي؛ حي بروحه في فردوس النعيم وحي في الأرض فينا؛ فأفكاره وكلماته وتعاليمه حية فينا، أما عن موت الجسد، فسيذوقه كل إنسان – مجرد مسألة وقت – إذا فلنفكر في الحياة الأخرى الأبدية التي هي أفضل جدا، وهو الآن يعيش الحياة التي أحبها دائما؛ حياة الصلاة والتسبيح وهو يصلي من أجلنا الآن.
 



No comments:

Post a Comment