زحمة ... يا دنيا ... زحمة ظهرت هذه الأغنية ونجحت في جذب أنظار الجميع لها لأنها كانت تمسهم وتعبر عنهم فأكثر الأوقات تكون فيها منتبها ومستمع باهتمام عندما يتحدث أحد عنك
فالنظرية الاجتماعية تقول أن الزحام يؤدي إلي قلة الموارد التي تسبب التوتر مما يؤدي للعنف الذي يصاحبه مزيد من التوتر ويستمر الدوران في هذه الدائرة ومن المعروف أن الزحام عادة ما يكون نتيجة سلوكيات خاطئة
فالزحام هو مصدر الإزعاج والتوتر والعنف في المجتمع، فهو يخلق الفرقة بين الناس، والأحقاد دون سبب مباشر، و التخلص من التوتر يكون بشكل من أشكال العنف تجاه الآخر وعادة ما يكون ضد الطرف الأضعف حتى ولو لم يكن طرف في النزاع
والعنف ينتقل من مستوي أعلي إلي آخر أقل، فأن رأيت طفل يتعامل بعنف مع حيوان صغير فلا تتعجب فهذا بسبب والده الذي يقهره مديره المقهور من إدارته الأعلى فيتعامل بعنف مع زوجته التي تعامل ابنها الأكبر بعنف الذي يرحل هذا العنف لأخيه الأصغر الذي يضرب الحيوان بعنف
فليس من العجب أن نجد أن من يضرب شخص علي قفاه هو شخص مضروب بالشلوت من شخص مضروب علي قفاه من شخص آخر مضروب بالشلوت من شخص آخر ومن هنا يتولد العنف وينتقل، فما دخل الزحام بذلك؟
سنجد أن الزحام هو السبب الرئيسي في أكبر الهجرات والحروب وأشرسها وحتى الاكتشافات الجديدة، أن ما دفع كولومبوس للذهاب إلي رحلته الاستكشافية حتى وجد أمريكا هو ضيق أوروبا بسكانها ونفس السبب هو الذي دفع قوم كالمغول لاجتياح العالم وهذا الزحام الذي يصاحبه قلة الموارد يزيد من التوتر والعنف الذي ضاعف وحشيتهم ونفس السبب أيضا هو وراء غزوات الأسكندر
أما في مجتمعنا، فيكفي التفكير في دوافع عدد كبير من الشباب من المحافظات التي بها كثافة سكانية عالية أن يلقوا بأنفسهم داخل البحر في مراكب صيد متهالكة أملا في الخروج من بلدهم وعبور البحر، فهم فقدوا كل الأمل في إيجاد مكان لهم في بلدهم وخرجوا يبحثوا عن هذا المكان حتى لو بطرق مهلكة ويبدو أنهم لم ينسوا الزحام حتى في طريقة هروبهم منه فإن رأينا تكدس هذه المراكب بالبشر فسنجد انه لن يستطيع قبول هذه الطريقة إلا من اعتاد عليها ، ورغم علمهم بمشقة الغربة ولكنهم اختاروها بحثا عن الأمل والمكان الغير موجود ببلادهم
ومثال آخر في الحياة اليومية، فنجد مثلا في المواصلات العامة أن الركاب يلومون بعضهم ويتشاجرون بسبب الزحام خصوصا في فصل الصيف ويحملون بعضهم سبب التوتر والعنف دون لوم المواصلات الغير مناسبة لهذا العدد كله، وهذا لسبب بسيط أن هذا الإنسان المتوتر لن يستطيع أن يلوم الأتوبيس أو المترو فيرحل غضبه وينقله إلي شريكه في المواصلات
وماذا عن ثورة 25 يناير؟
أن حالة الزحام والشلل في المجتمع من أسباب ثورة 25 يناير، فالشباب الذين ليس لهم مكان في المجتمع ومهمشين حدث لهم انفجار، فمظاهر الزحام والشلل في كل مظاهر الحياة فالشلل المروري يدمر الأعصاب والإحساس بالظلم والبحث عن هوية هو الذي دفع الشباب للاعتصام وكما قلنا سابقا أن من يحيي حياة الزحام يعتاد عليها ويستخدمها حتى عندما يحتج ضدها ومن هنا كان الاعتصام المليوني
والزحام ليس في المكان فقط ولكن داخل الإنسان أيضا فإحساس طالب الجامعة بأنه عندما يتخرج لن يجد مكانه بسبب كثرة الخريجين، هذا سيؤدي لإحباطه وتوتره ثم انفجاره
والمثال الأخير عن الأحقاد التي يسببها الزحام بشكل غير مباشر، فمثلا في أي شركة استثمارية عندما تنمو من الطبيعي أن يزيد عدد الموظفين ولكن مع أي أزمة اقتصادية ستضطر الشركة لتقليل المصروفات وطبعا مرتبات الموظفين الذين تحولوا إلي عبأ وغير منتجين، وهنا يطالب الأقدم بالتخلي عن الأحداث من الموظفين لأنهم سبب زيادة العدد وسيطالب الجدد بحقهم في البقاء لأنهم أصبحوا جزء من هذا الكيان ولم يرتكبوا أي ذنب لتسريحهم وهنا يظهر التوتر، ولكن أن تحاورت مع أحد الأشخاص في هذه المنظومة ستجده يدافع عن وجهة نظره معطيا أمثلة بأشخاص ليس له بهم احتكاك مباشر واتهامهم بأنهم من أسباب هذا الترهل وكل هذا بسبب الزحام وكما قلنا سابقا أن أي زيادة في العدد غالبا ما تكون بسبب سلوكيات خاطئة
عجبا لهذا الإنسان الذي يريد أن يكون له مساحة منفردة من الخصوصية وفي نفس الوقت يحتاج للمجتمع وزحامه لكي يشعر بالأمان