لقمة العيش وخريف العمر
اعتدت أن أخرج من منزلي مبكرا قبل سطوع نور الشمس مثقلا بملابسي الشتوية وبأفكاري المعتادة عن يومي في العمل والضغط الذي سأراه في يومي، ثم تتطور أفكاري لتتطرق إلى طموحي ومستقبلي في العمل، وهل سأنتقل إلى موقع أعلى قريبا؟ أم أن الطريق مازال طويلا؟ وعادة ما تقلل هذه الأفكار من جديتي وتثبط من عزمي، فتتثاقل خطواتي أكثر لينحرف بي التفكير إلى الحلم والرغبة في الحصول على عمل أفضل براتب أعلى مع قلة في المجهود الذي أبذله بالتأكيد، وما يشجعني على هذا التفكير هو ضياء النهار الخافت في هذا اليوم نتيجة تغطية السحاب لصفحة السماء، فنحن في يوم من أيام الشتاء البارد.
ولكن في ذلك اليوم استوقفني ذلك المشهد وغير من تفكيري تماما؛ حيث رأيت امراة عجوز قصيرة القامة جاوزت الخامسة والستين من عمرها - هذا العمرالتي يطلق عليه أرذله - ترتدي ثوب بسيط من قماش خفيف وبجانبها دلو مملوء بالماء البارد وتمسك بقطعة قماش تبللها لتغسل تلك السيارة العالية ذات الدفع الرباعي، ولكن قامتها لا تسمح لها بالوصول إلى سطحها فتضطر أن تقفز قفزات متتالية لعلها تنجح في مهمتها.
فشعرت أن الماء البارد الذي بدلوها لا ينسكب على سطح السيارة بل على رأسي أنا؛ لأن ما يدفع مثل هذه المراة لهذا العناء هو بالطبع "لقمة العيش" ولكن أين حقها في الراحة والاعتناء بصحتها في خريف عمرها؟!! وهل سيقدر صاحب السيارة الفارهة العالية شقاؤها لكي تنظف له سيارته؟!! أم أنه سيكتفي باعطاءها القليل من الجنيهات على سبيل الاحسان؟!! وهل ستنعم بالراحة بعد مهمتها الشاقة؟!! أم إنها ستكمل شقاء يومها بنفس الوتيرة؟!!
رغم قساوة المشهد ولكني رأيت في نشاطها وجديتها شباب قابع في داخلها؛ فمن الشائع الآن أن ارى عجائز بمظهر الشباب، ولكن من الغريب أن ترى شباب بمظهر العجائز.
لم أستطع أن أقف أمامها أكثر من 30 ثانية لأتابع حجم النشاط الذي بذلته في تلك الفترة البسيطة، ولكن كان علي أن أكمل خطواتي في نفس طريقي ولكن هل ستدور في بالي نفس أفكاري؟!!