للمسيحيين فقط: من هو المسيح؟
"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند
الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء
مما كان، فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور للناس، والنور يضيء في الظلمة،
والظلمة لم تدركه"
أنجيل يوحنا 1:1-5
المقدمة:
من حين لآخر يصل لآذاننا أصوات جاهلة ناقدة
للمسيحية وساخرة منها، ولكننا لا ننزعج منها حيث أن الجهل دائما ما يوجد، ولكن ما
يصدم البعض إن هذه الأصوات أصبحت كثيرة وقريبة، وهذا لا يسبب قلق أبدا حيث أن طبيعة
العصر وسرعة تداول معلوماته جعلت هذه الأصوات التي كانت تتردد في الخلاء ولا يوجد
لها صدى تصل إلينا، ولكن في المقابل الصوت الآخر أصبح من الممكن أن يصل أيضا، لذا
أكتب هذه الكلمات.
لقد استخدمت كلمة "للمسيحيين فقط"
في العنوان وذلك لعلمي أن الممنوع مرغوب، وهنا أنا لا أتحدث للمسيحيين فقط،
ولكني أتحدث للجميع بأسلوب مبسط بهدف التعريف فقط وليس الإقناع، فعندما تقرأ هذه
المقالة، فليس المطلوب منك أن تقتنع بالمكتوب، ولكن فقط أن تعرفه وتفهم عقيدة
أصحابه وليس المطلوب هو الاقتناع ولا المقارنة بديانتك؛ لأنه لا مجال لذلك، وإلى
صُلب الموضوع.
التوحيد في المسيحية:
فالمسيحيون مؤمنون وموحدون بالله ولا وجود
لتعدد الآلهة في المسيحية، فماذا إذا يعني التثليث؟
إن التثليث مقترن بالتوحيد فلا يُذكر التثليث
بدون توحيد، وببساطة إننا كمسيحيين نؤمن بأن الله واحد ذو ثلاثة (أقانيم)؛ وكلمة
(أقنوم) تعني صفة إلهية ذاتية مطلقة لا يشترك فيها أحد مع الله؛ حيث أن هناك صفات
من الممكن أن يوصف بها الإنسان – طبعا بقدر – مثل العدل (إنسان يمكن أن يكون
عادل)، بصير (إنسان ممكن أن يبصر)، رحيم (إنسان يرحم).
أما الثلاث الصفات أو الأقانيم المطلقة فهي
الكينونة أو الوجود (الآب)، العقل أو الحكمة أو الكلمة (الابن)، الحياة (الروح
القدس)؛ وهذا طبعا لأن وجود الإنسان وعقله وروحه تختلف تماما في طبيعتها عن وجود
وحكمة وروح الله، وهذا لا يتعارض إن الثلاث أقانيم هم في واحد وهو الله.
والعلاقة بين الآب والابن ليست جسدية أو بشرية
وإن كانت تسميتها بشرية؛ لأنه لا يوجد في مفردات اللغة أقرب من هذه الألفاظ لوصف
هذه العلاقة الروحية بين الأقنومين، فلا يوجد أي فارق زمني بين الآب والابن
كالبشر، ولا يوجد طرف ثالث كزوجة أو صاحبة كالبشر، ولكن ولادة الابن (العقل أو
الحكمة أو الكلمة) من الآب (الوجود والكينونة) مثل ولادة الفكر من عقلك وهو لا
ينفصل عنك بعد انتشاره ومعرفة الناس به، وكذلك فكرك وكلمتك يعبرون عنك ولا يوجد
تناقض أو تعدد بينك وبين فكرك.
من هو المسيح؟
كلمة "المسيح" في حد ذاتها ليست اسم،
ولكنها وظيفة ورتبة، ومن الرائع أن هذه الكلمة تستخدمها جميع الديانات أما لكي
نتعرف على المسيح، يجب أن نحكي الحكاية من بدايتها.
عندما خلق الله الإنسان كان له مكانة سامية عند
الله؛ لذا اسكنه في الجنة بالقرب منه وكانت علاقة الإنسان مع الله مباشرة، حيث أن
طبيعة الإنسان النقية الطاهرة تؤهله لذلك، ولكن الإنسان استخدم عقله وإرادته
وحريته التي أعطاه الله له وخالف الله وسقط في الخطية وطُرد من الجنة عقابا له،
ولم يكن الأمر ليس مجرد خطأ يمر وليكمل الإنسان حياته في مكان آخر على الأرض وعفا
الله عما سلف، فالخطأ كان عظيم؛ لأن الخطأ يكون بمقدار الذي تم الخطأ في حقه وخطية
الإنسان كانت موجهة ضد الله؛ لأنه خالف الله ذاته، فإننا إن أخطأنا فنحن نخطأ إلى
الله وعندما نتوب، فإننا نتوب إلى الله.
وكانت نتيجة هذه الخطية هي فساد طبيعة الإنسان
البشرية وانفصاله عن الله وطرده من الجنة وتسلط الشيطان عليه، وبالتالي ولدنا
جميعا على الأرض وليس في الجنة، وهذا دليل على فساد طبيعة الإنسان؛ لأنك لا تستطيع
أن تقول: لماذا نولد صغارا باكين متألمين في أرض الشقاء والعناء ونحن لم نذنب
بعد؟!!
ولكن الله لم يرد أن يترك الإنسان أسيرا
لخطاياه وذنوبه، حيث محبة الله الغير محدودة سبقت وجود الإنسان وعمله، فالله يحبنا
ليس من أجل صلاحنا ولكن من أجل صلاحه هو، وحيث أن الله لا حدود له فمحبته أيضا لا
حدود لها.
إذا فليسامح الله الإنسان ويرجعه للجنة بمحبته
الغير محدودة، ولكن أين العدل والحق؟؟ فالله كامل المحبة وكامل العدل أيضا،
فإنك إن سرقت أو قتلت ثم عدت وندمت وتوبت وطلبت الصفح والغفران، هل هذا سيعفيك من
نتيجة خطأك؟ ألن يجبرك القانون أن تعيد ما سرقته؟ أو تشنق مقابل قتلك لإنسان آخر؟ يبدو
أن الأمر أصبح صعبا ولا يوجد له حل.
أما الله، فأوجد الحل الذي لا يستطيع الإنسان
أن يتخيله أو يدركه أوحتى يخطر على باله، وهو بما أن الإنسان لم يستطيع أن يصل إلى
الله حتى بعد جميع الأنبياء المرسلين للبشرية على مر التاريخ، كان على الله أن
ينزل للإنسان الضعيف المكسور الخاطئ، ولذلك جاء المسيح.
وإن كنت تستبعد هذه الفكرة وتستصعبها أو تنفر
منها، فلتراجع الكلمات السابقة بتأني، فالله لم يرد أن تفنى البشرية التي خلقها
وأحبها قبل أن يخلقها؛ لأن الشيطان لن ينتصر على الله أبدا، وكذلك لا تنسى قدرة
الله الغير متناهية، وها هو يثبتها بما لا تستطيع تصوره، وإن كنت ترى أن ذلك هو ضد
عظمة الله وجلاله، فعليك أم تعرف إن الله لم يخلق شيئا نجسا قط حتى تظن أن وجود
الله في الجسد هو ضد عظمته وجلاله، فالبشر خلقوا بنقاوة وطهارة وكانوا قريبون من
الله في الجنة، ورجاء إرجاء عقل وعقلية الإنسان المحدودة جانبا حيث إنها لن تتفق
مع حكمة الله الغير محدودة.
جاء المسيح إلى العالم وعلمنا مبادئ لم تكن
تعرفها البشرية من قبل، فالبشر بغريزتهم ينتقمون إذا ما أهينوا ولكن المسيح علمنا
ألا ترد الإساءة بالإساءة حتى وإن حسبك البشر ضعيف، وعلمنا إنكار الذات والبعد عن
الكبرياء رغم اعتداد الناس بذواتهم وحرصهم على إرضاءها رغم إنها دائما ما تأمرهم
بالسوء، وهذا كان سبب استبداد وظلم البشر لبعضهم، وأرانا كيف تكون المحبة الكاملة
التي بلا مقابل حتى وإن كان المحبوب لا يستحق ولا يرد المحبة بمثلها.
وفي النهاية قدم ذاته فدية عن البشرية وممثل
عنها ليفتح لهم باب النجاة من ذنوبهم مرة أخرى، ومن الغريب أن جميع الديانات تؤمن
بمبدأ الفداء والكفارة أي يجب أن يفدي الإنسان آخر ويموت بدلا منه حتى يغفر له
ذنبه.
وحتى في العقائد الوثنية كانت الأضاحي متعارف
عليها ورغم انحراف هذه العقائد حتى وصلت إلى تقديم الذبائح من البشر اعتقادا منهم
أن هذا سيطهرهم ويجعلهم يتقون غضب إلههم، فكان يقدم طفل وليد أو شاب أو عذراء لم
يقترفوا ذنبا فدية عن المذنب، وإن كان هذا ضلال وانحراف ولكن يعطينا إشارة إن الضمير
الفطري للإنسان وناموسه الطبيعي جعله يؤمن إنه بدون أن يموت شخص آخر عنه سيهلك، وهذا
الفكر كان في اليهودية متمثل في الأضاحي الحيوانية حيث كانت تذبح الأضحية بعد أن
يضع المذنب يده على رأسها معترفا بذنوبه إشارة لانتقال الذنب من المذنب للأضحية.
وفي النهاية، في
البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند
الله، كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه كانت الحياة، والحياة كانت
نور للناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه.