Saturday, March 16, 2013

البابا شنودة الثالث - سنة في السما

البابا شنودة الثالث
سنة في السما


اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: البابا شنودة الثالث - سنة في السما
اليوم، وبمرور سنة على رحيل (قداسة البابا شنودة الثالث) يصعب عليَّ إضافة (المتنيح، ومثلث الرحمات) قبل اسمه؛ لأني لم اعتدها حتى بعد مرور هذه السنة بأكملها، ولكن بالحقيقة هو "متنيح" الآن؛ لأن هذه الكلمة كلمة سريانية تعني "مرتاح".

 وفعلا هو (مرتاح) الآن من هموم الدنيا وأتعابها، وهو كذلك (مثلث الرحمات)؛ لأن الله رحمه من عناء المسئولية الثقيلة التي حملها على كتفه طوال سنين طويلة لم تكن كلها مستقرة، حملت في بدايتها مرارة الحبس في ديره، ولكنه لم يرى الدير قط محبسا بل اعتبره واحته التي رجع إليها بعد طول غياب وقال كلمته المشهورة: "أنا سعيد لأني رجعت راهب مرة أخرى".
ثم جاهد في تنظيم الحياة داخل الكنيسة وبناء كثير من الكنائس في العالم كله، وتشييد كثير من الأديرة، وبجانب هذا التعب انكسر قلبه كثيرا بسبب هجوم أو حادث إرهابي يحصد أرواح أولاده منها العشوائي مثل – على سبيل المثال لا الإحصاء – حادثة الكشح والتي تبرأ فيها جميع مرتكبيها، وقال حينئذ: "نستأنف الحكم عند الله، لا الناس".

أو حادث إرهابي ممنهج ومنظم كحادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية، ولا زالت هذه القضية مجرد بلاغات ولم تدخل في مرحلة البحث الجنائي والتحقيق والكشف حتى الآن، ولا أعلم هموم أكثر قد يكون اعتصر بها قلبه بعيد عن أعين الجميع. ألا يكفي كل هذا ليحين وقت الراحة؟

عندما أتذكر (البابا شنودة) بالحزن، قليلا ويتحول الحزن لفرح؛ لأنه الآن فرحان، فعندما ذهب لديره، ألم يختار الموت عن العالم بإرادته قبل أن يأتيه بسنين طويلة؟ ألم يكن ينتظر هذا اليوم ولا يهابه؟ بل يفرح بقدومه؟ فعلينا أن نفرح معه.

ويكفينا أن أقواله وتعاليمه وكتاباته وأشعاره مازالت تملأ عقولنا وقلوبنا، ونحيا بها وتنمو في داخلنا، ومازالت نفسي تصفى عندما تسمع صوته وتنسى همومها، ومازالت روحي تطرب بأشعاره الموزونة بميزان الذهب، وحكمته تفيض لتخاطب وتملأ كل عقل.

البابا شنودة الآن في مكانه في السماء الذي انتظره واستحقه، فلنفرح معه لأنه لم يمت ولكنه بدأ الحياة التي انتظرها، مرت سنة أرضية منها ولكنها حياة أبدية لا تنتهي.



Saturday, March 2, 2013

الظلم آفة البشرية

الظلم آفة البشرية 


اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: الثورات والظلم

يقول نجيب محفوظ في رواية (أولاد حارتنا): "ولكن آفة حارتنا النسيان" إشارة إلى تغلب الجديد من الأحداث على القديم منها، هذا عن حارتنا ولكن إن أطلنا التفكير في أحوال البشر عامة، سنجد أن "آفة البشرية هي الظلم".

وربما ليس من قبيل الصدفة أن تتشابه كلمة "الظلم" في حروفها مع "الظلمة" حيث أن في كلا الحالتين يكون الإنسان قابع متألم تحت تأثير الظلم و الظلمة، فالظلم هو الذي يجعل من الأرض أرض دنيا وانعدامه يجعل من الجنة جنة عليا، وكثيرا ما عانى الإنسان من الظلم، وكثيرا ما ظل باحثا عن كرامته الإنسانية؛ لأن الظلم هو سلب الحقوق والكرامة هي الحصول عليها.

وقد انفرد الإنسان عن جميع مخلوقات الأرض بظلم  إنسان آخر شريك له في الإنسانية من خلال القوة الفردية البدنية أو القوة الجماعية العسكرية ، وقد برر البعض احتمال الظلم بحجة اجتياز الظروف الحالية الصعبة والمرور من عنق الزجاجة، ولكن لن يكون الظلم هو الوسيلة التي تبرر الغاية مهما كانت حسنة؛ لأن إن كانت كرامة الإنسان هي الغاية، كيف يكون الظلم هو وسيلتها؟

وتميز الإنسان أيضا عن باقي المخلوقات أنه استطاع أن يأكل لحم إنسان آخر إرضاء لذاته ولغريزة الحياة، فقد نجد الوحوش والضواري من الممكن أن يتقاتلوا حتى الموت، ولكننا لم نجد أحدهم أكل لحم الآخر، أما في عالم الإنسان وجد ما يُعرف بـ "آكلي لحوم البشر" وعادة ما يأكلون الغرباء الغير منتميين لنفس القبيلة، حيث أن علة هذا المسلك هو امتهان كرامة الآخر وتحقيره.

وإن كان هذا النموذج غير موجود في العالم المتحضر الآن؛ هذا لأن مظاهر الظلم تغيرت من مادية جسدية إلى معنوية حقوقية، ورغم ذلك ظل الظلم البدني موجودا حيث تنتهك كرامة الإنسان في أوقات الحروب والاضطرابات، أو بسبب الخلافات السياسية أو المذهبية، وهذا ما يحدث في الحروب الأهلية التي عادة ما تقوم بسبب اختلافات عرقية أو مذهبية.

وبدون تعجب – تجد إن في المجتمعات ذات الرفاهية المحدودة أو المهزوزة أو المعدومة يطبق" قاعدة العرض والطلب" حتى على الإنسان، فعندما يكون المعروض من فرص العمل أقل بكثير من طالبيها تقل قيمة طالب العمل ويقتطع أجزاء من حقوقه، أما صاحب العمل فيتجبر ويتكبر ودائما ما يهدد العامل بأنه إن لم يرغب في هذا العمل سيجد في خلال دقائق معدودة العشرات ممن يرضون به، ولا يجد العامل مفر من القبول بالأمر الواقع، وهذا ما يؤدي غالبا للثورة؛ لذلك نجد العمال دائما في مقدمة الغاضبين والثائرين.

والإنسان عندما تسامى عن التغذي على دماء الإنسان، تغذى عليه بشكل آخر عندما استعبد الآخر الضعيف وسلب حقوقه، حتى لو كانت العبودية بصورتها القديمة غير موجودة الآن، لكن العبودية الحديثة تم السماح فيها للمستعبَد أن يقبض جزء من ثمن استعباده؛ فعمالة الأطفال والمتاجرة بالأجساد وتسخير الأفراد في أعمال ضد الإنسانية تعتبر من أشكال العبودية.

وأحيانا ما يلبس الظالمون رداء الحملان ويبررون ظلمهم أما بدعاية سياسية بأن هذا هو النظام وبديله الفوضى، أو بغطاء ديني، أو شعارات عاطفية بأننا علينا أن نتعب ونتغاضى لكي نجتاز المرحلة الصعبة، أو باتهامات تخويفية وتخوينية من خلال نظرية المؤامرة بتشويه المعارضين بأنهم أصحاب الأجندات الخارجية.

لذلك كانت الثورات على مر التاريخ ضد الظلم وبحثا عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإن لم يصل العدل للشعوب، فلن تتوقف الثورات.