دستور مصر من أجل مستقبل أفضل
ونحن مقبلون على تعديلات دستور 2012 والتي
ستنتج – أغلب الظن – دستورا جديدا، أصبح من غير الضروري الانتظار حتى انتهاء
اللجنة من أعمالها حتى نبدي أرائنا وملاحظاتنا؛ لأن الشعب المصري يمتلك الآن رؤية
واضحة وخبرة واسعة ليعبر عن آماله وتوقعاته من دستوره لضمان عدالة للجميع ومستقبل
أفضل.
وقد اكتسب الشعب المصري هذه الخبرة خلال الثلاث
سنوات السابقة عبر كل المراحل التي مر بها: من تعديلات دستورية واستفتاء، وتكوين
لجنة لإعداد دستور جديد وبطلانها، ثم تكوين لجنة أخرى و(سلق) الدستور الذي سيتم تعديله،
بالإضافة إلى الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013 والتي أثرت بالطبع في
خريطة القوى السياسية ونتج عنها اختفاء (تنظيم الأخوان) من المشهد السياسي وعودته
لمكانه قبل ثورة 25 يناير 2011.
ولذلك يجب أن تتجنب التعديلات الدستورية جميع
الأخطاء التي حدثت خلال الثلاث سنوات السابقة، وأهمها: أن تعبر عن طموحات جميع
أفراد الشعب فلا توضع مادة إلا لفائدته، وكذلك الابتعاد عن المواد التي تثير جدلا
فلا نعرف ما هدفها ولا في ماذا ستستخدم (؟؟)، مثل المادة التي كانت تنص على أن
المجتمع هو المختص بحماية الأخلاق العامة.
أما عن هوية مصر والمواد المختصة بها، فالجميع
يعرف موقع مصر في قلب أفريقيا والوطن العربي وإنها تطل على البحر الأحمر والبحر المتوسط
الذي يفصلها عن أوروبا وهذا من الناحية الجغرافية ولا يوجد خلاف على ذلك، أما عن
الهوية الدينية للمصريين، فمعروفا أيضا أن أغلب سكان مصر من المسلمين مع وجود نسبة
من الأقباط، وقد استقرت هذه المبادئ في المادة الثانية منذ سنوات طويلة ولا مجال
من الاقتراب منها رغم أن هذه المادة تغفل وجود أي عنصر آخر في الشعب غير المسلمين.
أما عن المواد المستجدة في الدستور الأخير
والتي دخلت تحت مظلة (مواد الهوية)، فقد أصبحت الآن ذريعة للاختلاف وتعطيل المشروع
الوطني، وهذا يذكرنا بالمعركة التي قامت من أجل (المادة الثانية) قبيل التعديلات
الدستورية وقد أدخلتنا هذه المعركة في مسار خاطئ ولم تجلب لنا الاستقرار ولكن أجبرتنا
على إعادة الطريق من أوله؛ لأنه من غير المعقول أن تقوم الدولة بانتخابات برلمانية
ورئاسية دون أن نعلم ما هي الأسس التي ستحكم هذه الهيئات وهذا هو دور الدستور.
ونحن الآن مقبلون على إعادة هذه المعركة والآن
ليس من أجل (مادة الهوية) فقط، ولكن من أجل هذه المادة و(أخواتها)، ونحن في هذا
الصدد علينا أن نفرق بين الأمور الإيمانية التي تسكن في قلوب جميع أفراد الشعب
والتي لا يستطيع أحد أن ينتزعها منه وبين مظلة الدستور التي يجب أن تتسع للجميع
وتوفر جميع الحقوق والحريات للجميع دون تمييز وتعتمد على أسس المواطنة
والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويجب أن يترفع الدستور أيضا عن المواد التي تدل
إنها تمت صياغتها من أجل هدف معين في وقت معين، مثل ما حدث في مادة تحصين مجلس
الشورى وما نتج عنها من ازدواجية تشريعية وتكليف نواب بمهام لم يتم انتخابهم من
أجلها، بالإضافة إلى أن مبدأ التحصين ضد الديمقراطية (!!) وكذلك يجب ألا يشمل الدستور مادة للعزل السياسي
لرموز النظام السابق أو الأسبق؛ لأن التجربة أثبتت أن من السهل (تغيير الجلد)
والظهور بوجه جديد، ويجب أن يقتصر العزل على المتورطين في الجرائم الجنائية فقط
وهذا أمر طبيعي وعلينا أن نثق في أن الشعب قادر أن يلفظ من أضره أو أضله دون الحاجة
للعزل السياسي.
وبهذا يتم توقيع هذا العقد الاجتماعي من الجميع
وبالجميع؛ لنتأهب للدخول في المرحلة التالية من أجل وطن متوافق ومستقر.