المرأة السامرية
معاملات الله من البداية وخطوات النمو الروحي
إنجيل يوحنا - الأصحاح 4
إنجيل يوحنا - الأصحاح 4
بعد لقاء السيد المسيح مع نيقوديموس في الإصحاح الثالث
من إنجيل يوحنا – ونيقوديموس هو من اليهود البارزين وأحد أعضاء مجمع السنهدريم – قابل السيد المسيح
المرأة السامرية في الأصحاح الرابع، وأقل ما يقال عن هذه المرأة إنها إمرأة مرذولة
وخاطئة وهذه ليست من حيث حالتها فقط، ولكن من حيث جنسها (السامريين) أيضا، فكل
عشيرتها متأصلون في الخطية، وقد إنحرفوا كثيرا ووتدنسوا بالعبادة الوثنية التي
أباحت الزنى وتقديم ذبائح بشرية – ولا سيما أطفالهم – لاسترضاء صنم أصم وأبكم
وأعمى لا يقدر على الحركة.
ولعل من أكثر الفوارق بين اللقاءين التي تلفت النظر، إن
السيد المسيح لم يسعى لمقابلة نيقوديموس،
ولكنه هو من أتى سرا بالليل لمقابلته، ولكنه هو من سعى لمقابلة هذه المرأة وتحمل
طريق شاق من أجل ذلك.
وسنجد في هذه المقابلة معاملات الله مع الإنسان من
البداية وخطوات النمو الروحي، ففي بداية الأصحاح نجد أن السيد المسيح قد ترك
اليهودية ذاهبا إلى الجليل؛ لأن الفريسين علموا أنه صار يُعمد أكثر من يوحنا
المعمدان، رغم إنه لم يكن يعمد بنفسه لئلا يتفاخر أحد بهذا، ولكن تلاميذه هم من
كانوا يعمدون.
وفي طريقه إلى الجليل "وكان لابد أن يجتاز
السامرة" (آية 4)، فلماذا كان يجب أن يجتاز السامرة؟ هل لمقابلة هذه المرأة
بالذات؟ ولا عجب في ذلك، فالسيد المسيح الذي يهتم بخلاص كل نفس كان لابد أن يجتاز
السامرة، فهو لم يسعى لمقابلة نيقوديموس؛ لأن بعلمه السابق كان يعلم إنه آتٍ فأنتظره،
ولكنه سعى لمقابلة هذه المرأة التي لن تسمع عنه ولن تستطيع أن تأتي إليه.
وبعد طريق طويل، تعب السيد المسيح (جسديا) من السفر حيث
انتصف النهار والشمس في ذروة حرارتها فجلس على البئر، وجاءت المرأة في منتصف
النهار لاستحضار المياه بعكس عادة باقي نساء القرية اللائي يحرصون على احضار
المياه باكرا جدا لتجنب حرارة الشمس ولقضاء حاجات المنزل مبكرا.
وكان بداية الحديث، قال السيد المسيح للمرأة: "أعطيني
لأشرب" (آية 7)، ففي بداية الطريق الروحي قد يطلب الله منك شيئا تستطيع أن
تعطيه وهو لا يحتاج إليه ولكنه يطلبه منك، وقد تتعجب من طلبه هذا، ولكن قد تكون
أول خطوة في سعي الله إليك هو طلب شيئا منك، فاستمع إليه ولا تهمل طلبه.
ويبدو أن المرأة لم تستوعب طلبه وهدفه، فردت طلبه بسؤال
وهو: "كيف تطلب مني هذا؟!" (آية 9) ولكنه جيد أن تسأل الله وتقول له:
لماذا تطلب مني ذلك؟ وماذا تريدني أن أفعل؟ إن لم تستطيع إجابته لا تتركه وتغادر
ولكن اسأله وتحاور معه في الصلاة.
كان أول رد من السيد المسيح إنه وضح لها إن طلبه ليس عن
احتياج ولكن في باطنه العطاء (آية 10)، ولكن المرأة استمرت في الجدل العقلي الذي
يبعدنا كثيرا عن رؤية عمل الله في حياتنا وسألته: "يا سيد لا دلو لك والبئر
عميقة ، فمن أين لك الماء الحي؟" (آية 11)
لم يغضب السيد المسيح من جدلها العقلي، ولكنه احترم
عقليتها وتفكيرها وكشف لها المزيد وعرفها حقيقة الماء الذي تطلبه الذي لا يروي
والفرق بين هذا الماء والماء الحي الذي يعطيه (آية 13) وأمام هذه المعرفة لم تجد
المرأة إلا طلب هذا الماء منه (آية 15)، ولكن السيد المسيح طلب منها أن تتطهر قبل
أن تحصل على الماء الحي، فطلب منها أن تحضر زوجها (آية 16)، فالله قد يضغط على
جرحك ويتطرق إلى ضعفك ويذكرك بخطيتك وهو لا يقصد أن يؤلمك، ولكن لمسته لمسة طبيب
شافي قد تؤلم ولكن تطهر وتشفي.
ردت المرأة قائلة نصف الحقيقة: إن ليس لها زوج (آية 17)
ويبدو إنها في هذه اللحظة كانت ناظرة للأسفل إلى أعماقها ويمر أمامها جميع الأزواج
الخمس السابقين وكيف خرجت من فشل لتدخل إلى فشل آخر حتى ذاك الشخص السادس الذي
قبلت أن يكون لها وهو ليس زوجها خوفا من فشل جديد.
ويبدو أيضا أن السيد المسيح قد قطع سريعا سلسة هذه الأحداث
التي تمر أمام عينيها وأكمل لها نصف الحقيقة الآخر وامتدح نصف الاعتراف هذا (آية
18)؛ لأن الله يحتاج منك كلمة بسيطة وخطوة قصيرة نحوه، اعتراف بضعفك أو حتى نصف
اعتراف وهو سيكمل بدلا منك وسيقول ما لا تستطيع أن تعترف به، فلا تمسك لسانك عن
الاعتراف حتى بكلمات قليلة، وكن واثقا إنه سيكمل لك ضعفك.
تطور الأمر ولم يصبح مجرد جدل بين شخصين لا يعاملون
بعضهم البعض وسألته المرأة سؤال روحي يتعلق بالعبادة والسجود (آية 20) وهذا حال من
يقابل المسيح ويتلامس معه؛ ينسى احتياجاته والجسديات وتنطلق روحه لتطلب السماويات.
رد السيد المسيح عليها (آية 21 – 24) ودفعها للأعتراف به
كمسيح ورب عالم بكل شيئ (آية 25) وحتى إن كان في البداية كان الأعتراف بهيئة سؤال،
لكن الله الذي تعب من أجل البحث عن الضال أكمل لها الحقيقة مرة أخرى وطمأنها إنه
هو (آية 26)، فالله الذي دفع عنك دينك، لا بد أن يكمل بدلا منك ، وإن خطوت تجاهه خطوة،
فسيجري تجاهك أكثر.
ونتيجة لذلك تحولت المرأة من إنسانة مختبأة من مواجهة
الناس ونظراتهم إلى إنسانة كارزة في العلن (آية 28، 29)، إنك لن تقتني المسيح
وتكتفي بهذا لنفسك فقط، ولكن ستتحول تلقائيا إلى إشراك جميع من حولك فيه لتصبح نور
وملح لمن حولك.
سيأتي كثيرون أولا من أجل ما سمعوا مثلما أتى وآمن أهل
السامرة (آية 39)، ولكن مجرد ما يتذوقوا المسيح سيعرفون إنهم أحبوه وآمنوا به ليس
من أجل ما سمعوا ولكن من أجل ما ذاقوه واختبروه (آية 42)، فإذا كنت مازلت تسمع ولم
تتذوقه بعد، إعرف إنك لم تتعمق فيه وتحتاج أن تجربه وتحيا به.
وهكذا كانت المرأة السامرية وخطوات تطورها في الإيمان هي
رسالة لمن لا يعرف الطريق ولا يعرف كيف يصل لله، إنها رسالة طمأنينة: "إن
لم تستطع أن تذهب إليه، سيأتي إليك".