عزازيل يوسف زيدان ... رواية أدبية أم دراسة تاريخية؟
نقد ومناقشة أفكار
لماذا قرأت هذا الكتاب؟
لقد قرأت هذا الكتاب رغم ما أثاره من جدل، حيث أن هذا الكتاب كان موقع معركة فكرية وكان الكاتب هو فارسها المبارز، المدافع عنها، فقد قيل أن هذا الكتاب وأفكاره ضد الديانة المسيحية وعقيدتها، فلذا كان من الواجب أن أقرأه حتى أحكم عليه؛ ولأن الفكر الموضوعي والتعقل النقدي يحث علي عدم الرفض إلا بعد القراءة والدراسة؛ لأن من يرفض شيئاً لم يختبره هو صاحب الأفكار المسبقة المستسهلة التي يتجرعها بسهولة من كأس قريب المنال، وكذلك الدخول في تحدي فكري مثل هذا فيه رياضة عقلية وتدريب للعينين علي الرؤية والقلب علي ميزان الأمور.
المنهج المستخدم في هذا البحث:
إن موضوع الكتاب يحمل وجوه عدة: التاريخي، واللاهوتي العقائدي، والأدبي النقدي، وحتى وجه شخصي ونفسي للبطل والكاتب معا، وقد فكرت كثيرا في كيفية معالجة هذه الوجوه كلها وكذلك فكرت في مَنْ سيقرأ هذا البحث واخترت المنهج التالي:
سوف أعرض النتائج قبل الإثباتات لسببين:
الأول: هو تيسيرا علي القارئ
والثاني: لأن هذا عكس أسلوب الرواية؛ لأنك إن أردت أن تعرف ماذا يريد الكاتب أن يقول، فعليك أن تقرأ الصفحات الأخيرة من الكتاب وهذا البحث ليس رواية أخري بل نقد، لذا سأقوم بكتابة النتائج بخط مختلف أعرض من الخط العادي وسأضع بين قوسين رقم الصفحة التي ذكرت بها المعلومة، بالمختصر المفيد: مَنْ يريد اختصار الموضوع عليه أن يقرأ الخطوط العريضة فقط إن أراد عدم التعرض للتفاصيل.
عنوان البحث: لماذا اخترت هذا العنوان؟
كما هو مكتوب علي غلاف الكتاب أنه (رواية)، ولكن كل صفحة من صفحات الكتاب تقول إنها دراسة تاريخية، وقد قال الكاتب في مقاله في جريدة "المصري اليوم" إن كل أحداث الرواية حقيقية ما عدا ما يخص بطل الرواية (هيبا).
فكلما حاولت أن أسبح بين أمواج الرواية، أجدني وقد اصطدمت بصخور أفكارها، فالكاتب بحكم خلفيته المهنية لم ينسي أنه دارس أكاديمي للتاريخ حتى وهو يكتب الرواية، فأخرج دراسة تاريخية ترتدي رداء رواية أدبية؛ لكي يستطيع تمرير أفكاره مُحتَمية في حصانة حرية الفكر للأديب، فإن تم نقده من الناحية التاريخية، قال أن هذه هي رواية أدبية تطير بأجنحة خيال المؤلف في عوالم من صنعه كليةً وإن المخطوطات وهمية، وإن تم نقد الأفكار المغلوطة، قال إن كل ما فيها حقائق تاريخية.
وقد عرفنا الكاتب برأيه كما نشر بجريدة "المصري اليوم" بأن (الرواية مزيج من الوقائع التاريخية والتأليف الأدبي الخالص، التاريخ نفسه لا يقل روائياً عن العمل الروائي، فالتاريخ كتبه أشخاص بحسب اعتقاداتهم ومذاهبهم وأفكارهم؛ فالنص التاريخي هو رواية واحدة من روايات كثيرة، فالتاريخ غير ثابت والرواية شيء خيالي وهناك مزيج بينهما وهذا ما قمت به في هذه الرواية) وأضاف (التاريخ هو تاريخ مشترك ومن حق الجميع أن يتحدث عنه) و أوضح (أنه لا يجب أن يُنظَر إليها إلا من زاوية الإبداع الأدبي).
وبعد التصفيق الحاد لهذه الكلمات المنمقة شكليا، نجد إن الحقيقي اختلط بالخيال وأنه قد تبني وجهات نظر بناء علي مراجع تاريخية لا نعلمها وحيث إنها غير موجودة في نهاية الكتاب كالمعتاد لأنها كما يقال رواية وحتى الرقوق نفسها غير موجودة، فمن هنا اكتسبنا الحق في نقد أفكار الرواية وأحداثها والرد عليها؛ لأنه من الواجب أن نضع الرؤية أمام الرؤية لتثبت الحقيقية وتتلاشي الخيالية خصوصا إن كانت تحمل دلائل تاريخية وعقلية منطقية، وكذلك معني كلامه أن كل ما قاله داخل الرواية لا يجب أن يكون الصحيح أو الحق اليقيني.
وكذلك الأفكار التي تناولتها الرواية فيما يخص العقيدة المسيحية – إذا كان الكتاب دراسة أو رواية – فيجب أن تُصحَح وُتوضَع في مكانها ومكانتها الصحيحة؛ لأنه لا يوجد أي رأي ليس له رأي مضاد ولا رؤية أحادية دون رؤية مواجهة لها.
ولا أذيع سراً إن قلت إنني قد شعرت بالغربة بين جميع سطور الرواية لأن بطل الرواية الرئيسي (هيبا) بعيد كل البعد عن الشخصية والوجدان المسيحي، فتشعر إنك أمام إنسان يرتدي ملابس كملابسك ولكنه غريب عنك، يتكلم بلغتك ولكن ليس كلماتك، يسير في طرقك ولكن لا يصل لهدفك، فأعترف إنني لم أستطع التوحد أو حتى التعاطف مع بطل الرواية وهذا هو هدف كل كاتب رواية، وتكون هذه العاطفة هي الدافع لقراءة الرواية حتى النهاية، لذا خصصت جزء عن تحليل شخصية بطل الرواية (هيبا).
الموضوعية:
الموضوعية هو المنهج المستخدم في هذا البحث وهو عدم الحكم مسبقا والنظر في المقدمات بشكل حيادي لإعطاء النفس الفرصة للسمع والرؤية حتى النهاية ثم الحكم الذي يتم التوصل إليه مدعوماً بالأدلة والبراهين اليقينية الواضحة.
فكل الذين دعوني لقراءة هذه الرواية، دعوني معها للموضوعية وتحييد الرأي والعقيدة الشخصية، ولكن تلك الموضوعية ذاتها تدعوني أيضاً إلي نقد الأفكار والبحث عن الغرض وقراءة السطور وما بين السطور أيضا، ورسم صورة مبسطة عن العقائد المسيحية التي تم تناولها بشكل يصل إلي من يقرأه بسهولة، فهذه ليست دراسة دينية موجهة ولكنها أيضا تحمل المنطق وتحكيم العقل، وأعتقد أن هذه هي الموضوعية.
النقد الذي تناول الرواية ورد الكاتب عليه:
تناول الأنبا بيشوي هذه الرواية بالنقد، وقد ركز علي الأخطاء التاريخية واللاهوتية في الرواية مدعما أقواله بحجج وبراهين يقينية، وقد حكمت هنا بأنها أخطاء؛ لأن – كما قلنا سابقا – الأحداث التاريخية بالرواية تحمل وجهة نظر أحادية، أما بالنسبة للاهوتيات، فينطبق عليها نفس المبدأ السابق بالإضافة إلي أن الرواية تناولت بعض الأمور بشكل ينافي ما تعتقد به المسيحية – كما سيتضح فيما بعد.
ولكن أزاد الأنبا بيشوي عندما وجه اتهامات مباشرة للكاتب وبالغ في وصفه للكتاب بأنه أبشع ما كتب عن المسيحية وتسعي لهدمها؛ لأن لا يمكن لكتاب أو عدة كتب ولا كاتب أو عدة كتُاب أن يهدموا المسيحية، ولكن هذه الاتهامات أتخذها الكاتب ذريعة لتحويل الموضوع لموضوع شخصي ورأينا الردود مجرد معركة لفظية أو أوصاف وانتقادات شخصية واستتر الموضوع الأساسي وفقدنا الخيط الأساسي للموضوع، وكانت هذه الانتقادات المتبادلة بعيدة كل البعد عن الأدب ونقده.
وأني قد ألتمس العذر للأنبا بيشوي حيث أن حماسه وحميته دفعته لذلك ؛لأنه ليس متخصص، رغم أن كتابه القيم قد أضاء الكثير من النقاط المظلمة بإثباتات ثابتة، ولكن لم يجب علي يوسف زيدان أن ينساق لنفس الاتجاه والتراشق بالألفاظ؛ حيث أنه متخصص، وكان يجب أن يرتفع بمستوي النقاش.
ولكني أدعو لقراءة كتاب الأنبا بيشوي – وسأضع الرابط الخاص بتحميله في نهاية البحث – والتغاضي عن المقدمة والنهاية التي تحمل النقد المباشر للكاتب.
ولن أطيل أكثر من ذلك في التمهيد وسأدخل في الموضوع الأساسي:
عزازيل وشيطان الحقيقة:
ما معني كلمة عزازيل؟ أخيرا يفصح الكاتب في نهاية الرواية بعد طول حكايات وكثير من الصفحات أن عزازيل هو اسم من أسماء الشيطان كما ذكر في التوراة – علي حد قوله – وهو اسم من ضمن أسماء عدة للشيطان، ولكن بعد أن نعرف أن كلمة عزازيل ذكرت مرة واحدة في أسفار العهد القديم ضمن طقس عيد الكفارة الذي فيه يضحون بتيس يذبح وآخر ثاني يعزل ويرسل للصحراء، ونعرف أن كلمة عزازيل معناها "العزل" – أي العزل التام الخطية – سيتغير الحال تماما ولن نستطيع أن نسير في نفس الخط الذهني للموضوع، ويبدو أن زيدان أيضا أراد أن يخرج من هذا التأسيس الغير تام لأسم والشخصية الرئيسية للرواية، وفاجأنا أن عزازيل هو صوت الحقيقة !!! (345 & 361) ووحد عزازيل مع بطل الرواية (هيبا)، فقال أن عزازيل هو النقيض أو المقاوم للفضيلة (350)، ثم أفصح: أن الشيطان ليس أصل الشرور ولكن مبرره؛ لأن الخير موجود فاخترعوا نقيضه (منطق غريب !!!)، وهذا مخالف للفكرة الأصلية وهي الشيطان (عزازيل) هو صوت الحقيقة.
ثم أظهر لنا الشيطان بشكل جديد كمحب للحياة، فرأينا عزازيل: وهو يدعو هيبا ليحيي كي يكتب، فها هي هيئة الشيطان وقد تبدلت بدلا من القيادة للموت إلي حب الحياة.
وإن كان هذا هيئة الشيطان، فلماذا صوره بأشكال مرعبة؟ مثل الشاب الذي أراد أن يعترف له بالمحارم التي يرتكبها مع جميع أهل بيته وكذلك الحيوان، وكيف طاب قلب هيبا له في نهاية الرواية؟ لما كشف به ما بداخله وكان هو الدافع والمحرك الأساسي للرواية أي بطلها المستتر وبدونه لما كتب شيء من الرقوق المزعومة، فأظن أن هذا كان منطلق الإثراء الدرامي ولكن كان بعيد عن الطريق المتصل.
أن صورة عزازيل مشوشة ومضمونه غير واضح ولكنه قناة يمكن أن يمر من خلالها أفكار وانتقادات؛ ولا حرج فإنها خرجت بدافع من الشيطان ولكنها تترسب في الوجدان الخاص بالقارئ، ولا يعي العقل الواعي مَنْ قائلها؛ وهذا هو حال العقل.
تحليل شخصية (هيبا):
ها قد حان الآن وقت التعرف علي بطل الرواية (هيبا) وتحليل شخصيته وسيظهر سؤال في النهاية: هل يمكن أن أتوحد مع بطل الرواية؟ أو علي الأقل أتعاطف معه؟ وكما هو معروف أن من علامات نجاح الرواية أن يتوحد القارئ مع بطل الرواية أو حتى يتعاطف معه.
وُلد (هيبا) في أقصي الصعيد من أب مسيحي صياد للسمك وكان يبيع السمك لكهنة المعبد الفرعوني الوحيد الباقي علي جزيرة منعزلة، ودون سبب معلوم خانته زوجته ووشت به لأهالي القرية المسيحيين – وطبعا المتعصبين – لأنه يبيع السمك للوثنيين مما جعلهم يقتلونه علي مرأى ومسمع من (هيبا) ووقوف كهنة المعبد عاجزين أمام هذا المشهد، ثم نجد أن أمه وقد تزوجت من أحد القتلة !!!
فإن هذا الإنسان هو نتاج أب مقتول علي يد زوجته وهذا ما سبب شرخ كبير في شخصيته واضطراب في نفسيته؛ ولكن ألم يكن من الأفضل أن تكون هذه الواقعة دون الخيانة الزوجية الغير مبررة؟ ويمكن أيضا أن يجعل من الزوجة ضحية أخري ويتزوجها أحد القتلة عنوة وهي عاجزة مثل كهنة المعبد فنتعاطف مع (هيبا) أو مع الزوجة أو هذه الأسرة البائسة ككل حيث أن الرواية تحتاج لحبكة درامية وتفسير منطقي وشائع جدا أن يكون أحد الأبطال ضحية نتوحد مع في ألامه ولكن زيدان كان عنده ضحايا آخرون.
ونجد أن هذا الواقع المُشَوّه قد أنتج (هيبا) الذي كان يري قيود الرهبنة تقيد عقله ونفسه غير شارح أو موضح لنا لماذا سلك هذا الطريق واختاره؟ !!
وقد استشعر (هيبا) هذه القيود مع أول لمسة من لمسات مياه البحر في الإسكندرية وشعر أن البحر يداعبه ويحتضن جسده؛ وكأنه لا يعلم أن الرهبنة هي الزهد الاختياري طلبا لهدف أسمي؟ فهي انطلاقا للروح وليست قيود للجسد فالراهب ينسي جسده في مقابل حرية روحه.
ونري (هيبا) في أحداث أخري يأسف ويتألم من أجل اندثار ديانة الفراعنة وهجر آلهتها ومعابدها دون سبب أو تبرير لذلك، فنحن يمكن أن نأسف لخسوف الحضارة الفرعونية وانزواءها ولكن ليس الآسف من أجل آلهتها، ويتألم أكثر بسبب مقتل هيباتيا وأوكتافيا أو غياب مرتا التي طالما ذكرها مرارا مشوقنا إليها ويبدو أن هذه المشاعر تُركَت علي هذا المنوال لزوم الحبكة الدرامية خصوصا أنه أبدع في وصف وتصوير مشاهد هيبا مع أوكتافيا ثم مرتا، ولكن لا يظهر هذا الضمير الإنساني والمشاعر الرقيقة المرهفة بعد قضاء الأوقات المحرمة معهما ولا يندم أو يتأسف لتمزيقه لزيه الرهباني الذي ارتضاه بمشيئته ولم يكن مُلزَم به وهذا الفعل فيه دلالة علي حنثه لعهد الرهبنة، ثم نجده مرة أخري يرتدي زيه وكأن شيئا لم يحدث !!!.
أما (هيبا) من الناحية الفكرية فهو متوافق ومتعاطف مع نسطور ودائما ما يوصفه بصاحب الوجه الملائكي والروح الهادئة والصوت المريح للآذان، وبغض النظر عن وجهة نظري في نسطور: فإن دلائل (هيبا) للسير خلفه والإيمان بمبادئه قائمة علي الظاهريات التي لا تؤهل نسطور أن يكون صاحب المنطق الصحيح.
ثم أخيرا نجد أن فكرته عن القداسة سطحية؛ فالقداسة ليست غاية يسعي إليها الإنسان لينال لقبها، وإن شعر أي إنسان بقداسته فهو منغمس في الخطية لأنها لا تكتسب إلا بعد انقضاء حياة الإنسان أما حياته فهي اختبار مستمر (28).
وأتذكر الآن السؤال الذي أثرته في البداية، هل يمكن أن أتوحد أو حتى أتعاطف مع (هيبا) وأفكاره وأفعاله هذه؟!!
الانتقادات الأدبية واللغوية ومعلومات خاطئة:
قد يتخيل البعض أن بعض الانتقادات التالية مكانها المناقشات الدينية ولكن أريد هنا أن أظهرها من الناحية الأدبية واللغوية بغض النظر عن صحتها دينيا والغرض من هذا هو إظهار الرسائل التي ترسلها هذه الأقوال لوعي القارئ والتي تترسب في ذهنه، وأيضا الكشف عن عدم التعمق في بعض المعلومات التي تعتبر بديهية وبدائية لأي إنسان ولكنها طرحت بالرواية وكأنها لم تخطر علي بال أحد من قبل.
- يتكلم عن الحج إلي القدس في المسيحية وكأنها فريضة ضرورية بعكس الحقيقة (20/22/28) لأنها أن كانت كذلك لما منعها البابا شنودة الثالث حتى ندخلها سويا وهي حرة، مع الملاحظة أن الزيارة لأورشليم القدس ليست لها أي طقوس دينية خاصة.
- معجزة قانا الجليل مذكورة في إنجيل واحد فقط وهو إنجيل يوحنا وليس بالأناجيل كما ذكر وهذا بديهي ومعروف لأي شخص، فمن غير المعقول علي راهب متعبد أن يذكر معلومة مثل هذه بشكل غير صحيح (21).
- يطلق كلمة أناجيل علي كل الكتب والأسفار حتى ولو كانت دخيلة؛ ما يسبب خلط للقارئ الغير عارف، ومن المعروف أكاديميا أن كل مخطوط يوجد يعامل كتراث إنساني ويمكن الاستفادة منه بقدر ووجوده ليس دليل علي صحة محتواه، وقد عانت كل الأديان من الكتب والأحاديث والأسفار الدخيلة. (21)
- ذكر في سياق حديثه عبارة "أعياد القيامة وأسبوع الآلام" وهذا ترتيب غير صحيح زمنيا حيث أن عيد القيامة يتبع أسبوع الآلام وليس العكس؛ حيث أن من غير الممكن أن يقال هذا علي لسان راهب مكرس حياته للتعبد !!
- عندما يتحدث عن الأناجيل الدخيلة، يضمر أنها كتب ممنوعة وليست مزورة أو مُدَعية، واللفظ يمر ببساطة في سياق الكلام ولكن يُرسب في ذهن القارئ أنه يوجد مَنْ زاد أو أنقص في محتويات العهد الجديد. (36)
- ذكر أن يوحنا هو ابن خالة السيد المسيح له المجد وهذا خطأ ولا نعرف من أين جاء بهذه المعلومة. (47)
- ذكر ألفاظ تثير أفكار القارئ ليست موجودة في المسيحية ولا تؤمن بها ولا تستخدمها في الأصل وتضع ذهنه في حالة مقارنة، وهذه الألفاظ مثل: الله ثالث ثلاثة (54) فما الهدف من ذلك ؟؟!! وتاريخيا لم تكن هذه الألفاظ قد قيلت بعد.
- تبرز هوية الكاتب عند الحديث عن بعض الأمور التي لا يؤمن بها شخصيا لا يذكر كلمة (الله) ويستبدلها بكلمة (الإله)، وهنا نسي الكاتب الخط الدرامي للرواية وبرزت شخصيته بدلا منها وتحدث بلسانه وليس بلسان بطل الرواية، ولقد ذكرني هذا بالكنيسة التي تم الاعتداء عليها في اندونيسيا لاستخدامها لفظ (الله) أثناء العبادة.
- عبارة "سر الظهور الإلهي في المسيح" (54)، أراد منها توضيح أن الله ظهر مؤقتا في المسيح الإنسان، ولكن يبدو أنه لا يعرف أن لفظ "المسيح" ليس اسم بشري ولكنه لقب وصفة للمخلص المنتظر، فهذه أفكار مشوشة للقارئ الغير متعمق، إذا فعندما نقول "المسيح عيسي ابن مريم" مثلا، هذا ليس اسم ثلاثي ولكنه لقب ثم اسم ثم نسب حيث انه من المتفق عليه أن السيد المسيح ولد بدون زرع بشر.
- كثرا ما يتكلم عن حبيبته القديمة (مرتا) ولكن في بعض الأحيان تُكتَب (مارتا)، فما سر هذا الاختلاف في حروف الاسم؟ هل هذا خطأ المؤلف أم خطأ الناشر؟
- كثرا ما يشرح تفاصيل لا يحتاجها مَنْ يكتب المذكرات لنفسه أو لمسيحيين مثل: مواعيد الصلاة بعد أسماءها وهذا يخرجنا من الخط الروائي للقصة ويعطي معلومات موجهة للقارئ حيث أن مَنْ يكتب المذكرات غير محتاج أن يشرح ذلك لنفسه. (58)
- يستخدم ألفاظ تعبر عن أفكاره دون شرح أو تدليل أو برهان مثل: "التوراة بها مخادعات وحروب" وحيث انه من المعروف أن التوراة تتكلم عن بشر غير معصومين من الخطأ وليست كائنات أخري فهذا أمر واقعي أن توجد مثل هذه الأحداث، وكذلك يقول "إنجيل المصريين مع أنه ممنوع فيه ما يخالف الأناجيل الأربعة المتداولة" فكلمتي ممنوع و متداولة ليست الوصف المناسب لهذا الإنجيل المزعوم ولكنه يريد بذلك ترسيب أفكار معينة بذهن القارئ، ثم يقول "أن الله يستتر وراء كل هذا" (98) وهذا لفظ غير مقبول لاهوتيا أو منطقيا لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يستر الله – حاشا – ولكنه يريد أن يبرز تشتت الديانة عن مسارها وهذا غير مقبول.
- لم تذكر التوراة أن ثمرة شجرة معرفة الخير والشر هي التفاحة بعكس ما قالت الرواية (119)، فالتوراة لم تُحدد نوع الثمر ذاتها وهنا أدخل ما هو موروث شعبي علي ما هو ثابت كتابيا ويمكن لأي قارئ بسيط أن يدرك ذلك وليس راهب دارس متفرغ كبطل الرواية.
- يستخدم ألفاظ تشكيكية مرسلة دون تدليل مثل: "الآيات المشهورة في التوراة التي لا يمكن أن يصدقها غيرنا" (120)
- يستخدم ألفاظ غير دقيقة مثل تسمية شجرة معرفة الخير والشر بشجرة المعرفة فقط (120)، فالتعميم هنا يبرز معني آخر غير المقصود لأنها شجرة الانفتاح علي الخطية وليست للمعرفة فقط، واستبدال اسم شجرة الحياة باسم شجرة الخلود وكأن الله كان يقصد إفناء البشر، واعتقد أن الله أعطانا صفة الخلود أما في الحياة التي لا يوجد بها حزن أو كآبة أو في العذاب الأبدي ولكن الله لم يرد للإنسان أن يحيا علي خطيته بدليل خطة الخلاص التي أعدها من أجله.
- يصف عقاب الله بالقاسي وكأن الإنسان لم يكن مستحقا للعقاب كنتيجة طبيعية لخطأه (120).
- يصف أوكتافيا بالطاهرة (126) وهيباتيا بالقديسة (158)، وهذا ألفاظ غير ملائمة بطبيعة أوكتافيا الإنسانية ولا هيباتيا العلمية.
- ينطق بلسان الراهب كلمات تدل علي عدم اقتناعه بالرهبنة أساسا مثل: لماذا نموت قبل أن نموت؟ فلا يوجد مَنْ أجبر بطل الرواية علي هذا الطريق الاختياري الغير ملزم للجميع. (134)
- توظيف لغوي خاطئ للآيات مثل آية " ما جئت لألقي سلاما علي الأرض بل سيفا" وطبعا لم يقصد السيد المسيح المعني الظاهر في الرواية ولكن كان يقصد إظهار الاضطهاد الذي سيحدث لأتباع ديانة السيد المسيح (152) ويعيد كذلك نفس الاستخدام الخاطئ مرة أخري (240) ولم يقل طبعا أن السيد المسيح قال لأحد تلاميذه عندما حاول استخدام السيف: "أرجع سيفك إلي غمده؛ لأن من يأخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ" ، وكذلك توظيف آية "أن دخول الأغنياء ملكوت السموات أيسر من مرور جمل من ثقب إبرة" (166) حيث أنه وُضح بعدها مباشرة أن المقصود هو مَنْ يتكل علي أمواله وليس كل الأغنياء.
- يقول علي لسان نسطور عن المعجزة " أنها لا تكون إلا لو وقعت علي سبيل الندرة، إلا فإن تكرارها وتواليها يخرجها من باب المعجزات" والسؤال هنا: هل هذا هو معني المعجزة؟ مجرد الندرة؟ بالطبع لا؛ لأن الندرة هي احدي صفات المعجزة ولكن المعجزة هي ما يعجز الإنسان عن فعله، فهو يريد تثبيت معني بعيد في الذهن وأن ينقل تركيزه عن أصل الموضوع والدليل علي ذلك أنه اختار هذا علي عقيدة التجسد فيقول: "لقد تجسد الرب مرة في يسوع المسيح ليرسم الطريق للإنسانية إلي الأبد، فلا ينبغي لنا العيش في المعجزة ذاتها، وإنما في الطريق التي رسمته وإلا فقدت معناها" (83) فهو يريد أن يقول إن كان هذا حدث مرة واحدة فيجب أن نتجاوزه ولا نعيش فيه وكأنه مجرد حدث عابر، فيريدنا أن نخرج من المعني السامي برسم منطق سطحي للمعجزة ويحصرها فقط في الندرة، وكأن حياة الإنسان أو حتى الحياة علي الأرض ماضيها مثل حاضرها كمستقبلها لا معني للحظات الفارقة.
- يقول "فانتم المصريين ابتدعتم الرهبنة والديرية، إحياء لتقاليد كانت عندكم منذ القدم" (187) وهذه معلومة خاطئة حيث إن الرهبنة لا علاقة لها بالتقاليد المصرية القديمة؛ فالصحيح أن المصريين فعلا هم منشئو الرهبنة ولكن ليس لإحياء تقاليد قديمة؛ لأننا نري أنبياء العهد القديم أحبوا الاختلاء تفرغا للعبادة ، فنري موسي النبي لم يستلم لوحي العهد إلا بعد صومه واختلاءه بالجبل لمدة 40 يوم، وكذلك إيليا عندما حاصره الفساد حوله والجميع منصرفون عن عبادة الله الحي اختلي بعيدا وصام نفس المدة، ويقول داود النبي في المزامير "فقلت ليت لي جناحا كالحمامة فأطير وأستريح، هاأنذا كنت أبعد هاربا وأبيت في البرية" (مز7,6:55) فهو كان يري راحته في الاختلاء بالبرية، ولا ننسي يوحنا المعمدان وحياة الاختلاء في الصحراء منذ نشأته، وكذلك السيد المسيح له المجد الذي كان يختلي كل يوم بعد وعظ الجموع وشفاء أمراضهم ويقضي الليل في البرية وكذلك صومه أربعون يوما متصلة، وأيضا عذارى جبل الزيتون اللاتي تبعن السيدة العذراء مريم بعد صعود السيد المسيح وظلوا يتعبدون مكرسين حياتهم لذلك.
فمن الصعب جدا بعد كل هذا أن نقول أن المصريين ابتدعوا الرهبنة إحياء لتقاليد كانت عندهم منذ القدم، خصوصا أنه لم يقول لنا ما هذه هي التقاليد؟!! وكذلك لم يقل لنا التاريخ ذلك.
- يقول عن تحلل جسد الإنسان بعد الموت "يقال أن الدود لا يأكل رفات القديسين والشهداء، فهل هي معجزة لهم أم هي للدود الذي يفرق بين الأجسام المقدسة منها والغير مقدسة" (191) مرة أخري يريد صرف نظرنا عن الموضوع الأساسي بتسطيح الفكرة، وكذلك يجب أن نعرف أن هذه الأجساد التي لا تأكلها الدود هي حالات نادرة لإثبات قداسة هذا لشخص وتكريمه خصوصا إن كان هذا ليس معروف للجميع وليس بشكل عام كما قال.
- ومن العجيب إننا نجده الآن يقول "أنه هنا لا يكترثون كثيرا بالأصول، ولا يهتمون إلا بالحاضر الماثل أمام أعينهم" (194) فبعد أن سطح وأبعد معاني العديد من الأفكار، يقول الآن أن رهبان الإسكندرية يفعلون ذلك !!!!
- ما معني كلمة (التأله) التي قالها أثناء وصفه لرهبان سوريا؟ وماذا كان يقصد بها؟ (217) أظن أنها استخدمت في غير موضعها، فربما يقصد معناها البسيط وهو التعمق في الله؟ ولكن هل هذا له علاقة بسؤاله" لماذا يريدنا الله أن لا نأكل من شجرة المعرفة (الاسم الصحيح شجرة معرفة الخير والشر)؟ ولماذا لا يريدنا أن نصير مثله؟ (120) فكما تؤمن جميع الديانات أن نتيجة خطية آدم قد طرد من الجنة، ويتساءل هنا الكاتب عن شيء دون رد أو شرح بعد ذلك.
- يقول أن السيد المسيح أخذ من العذراء جسد بشريته ومن ثم نصفه الإنساني (220) ولفظ نصفه الإنساني غير صحيح إيمانيا ووضعه بهذا الشكل يدل علي نقض المتحدث لأبسط أمور الإيمان وهذا ما يجعلنا متغربين وغير متعاطفين مع البطل.
- لفظ (روح القدس) غير دقيق (222) واللفظ الصحيح هو (الروح القدس).
- وصفه أن الله يتعب ويستريح (230) غير دقيق ولم يتم توظيفه جيدا.
- في سياق الكلام يقول علي لسان أسقف مناصر لنسطور"مستحيل أن يولد الله من امرأة" (242) ولا أعرف ما سر هذه الاستحالة؟ هل لعصيان أمر علي الله؟!! حاشا، هل لأن الإنسان غير مستحق؟ فالإنسان خليقة الله ولم يخلق الله شيء دنس قط؛ وكما يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين لأن الإنسان خُلق علي صورة الله ومثاله في الخلود والحرية – طبعا المحدودة – وفي العقل – المحدود طبعا – واعتقد أنه لا يقصد ازدراء الإنسان عامة والمرأة خاصة عندما قال هذا !!! ولكنه قد يقول أن الله الغير محدود لن يُحَد ويُحبَس داخل إنسان، ونحن لم نقل هذا؛ لأنه حتى إن اتخذ الله جسدا بشريا، هذا ليس معناه أنه لم يَعُد يملأ السموات والأرض ومثال لذلك ضوء الشمس أو حرارتها أن تواجدت داخل غرفتك، هل معناها إنها ليست في الخارج تشع ضياءها وأن غرفتك قد حبست الشمس.
- عقيدة نسطور التي يميل إليها الكاتب تقول: "يسوع إنسان وتجسده هو مصاحبة بين الكلمة الأبدية والمسيح الإنسان، ومريم هي أم يسوع الإنسان ولا يصح أن تسمي والدة الإله" (243) وهنا نقول أن هناك لفظان في غير موضوعهما: الأول هو (مصاحبة) لأنه ما حدث هو اتحاد والثانية: هي المسيح الإنسان وكما شُرح سابقا أن لفظ المسيح ليس مجرد اسم، والإيمان المسيحي ببساطة يؤمن بما قيل في أنحيل لوقا عند بشارة الملاك للعذراء مريم – التي يتفق علي برها وعلي طهارة ميلادها للسيد المسيح جميع الأديان – قائلا: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك؛ فلذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله" وهو في كل الأحوال ميلاده بمعجزة ليست لأنها غير متكررة كمفهومه السابق عن المعجزات ولكنها لأنها في استطاعة الله فقط.
ويبدو إننا نحتاج الآن لشرح لماذا يحتاج الإنسان لمخلص بعد انزلاقه في الخطية؟ ومواصفات المخلص؟ ولكن لا يتسع المجال الآن لذلك، ولكن سيناقش ذلك فيما بعد.
- لماذا يسمي الفصلين الرابع والخامس بنفس الاسم؟!! وهو (غوايات أوكتافيا)، فلغويا وأدبيا غير مستساغ أم هذا خطأ في الطباعة.
- ينكر علي المسيح إمكانية ولادته كطفل وجوعه وإرضاعه بواسطة العذراء مريم وحتى تبوله (245) وهذا متسق مع فكره السابق عن الإنسان واعتقد أن سر ذلك هو رؤيته أن الإنسان أقل أو أضأل من أن الله يتخذ جسده، فأنه قد يري أن هذه الأفعال الإنسانية حقيرة ولا تليق، ولكننا هنا يجب أن نعرف مدى إكرام الله للإنسان ومدى قدر وغلو الإنسان عند الله، فدعنا نسأل سؤالا بلا إجابة كما يفعل الكاتب دائما: ما هو محور الكون والأرض خاصة؟ أو بشكل آخر: هل خُلقت الأرض من أجل الإنسان أم الإنسان من أجل الأرض؟ ولماذا وضع الله الإنسان علي رأس الأرض وسلطه عليها؟ هل كان يستحق ذلك أم أنها محبة الله؟ فالله قدّم لنا خيرات الكون قبل أن نفعل شيء أو نُختبَر ويرى مدى استحقاقنا لهذه الخيرات، أليست هذه هي المحبة الكاملة.
- عندما يقول "إن ظهور الشمس من كُوّة لا تجعل الكُوّة شمس" (246) فهو يريد أن يقول مَنْ يظهر فيه الطهر والقداسة يظل إنسان وليس قدوس، فالمسيحية لم تُبالغ وتعتبر الكُوّة شمس، ولكننا ننظر إلي أصل الضوء وهو الشمس التي لكي تستنير بها يجب أن يكون لها صفة مرئية متجسدة في الضوء وإلا فلن ترى النور.
- قوله "التجلي المؤقت للإله المتعالي في المسيح يسوع" (246) هو تسطيح لعقيدة التجسد التي ناقشناها في السابق ويبدو أنه يريد أن يقول وحتى أن تجسد الله فهو تجسد مؤقت وهذا متناقض مع قوله السابق أن التجسد ليس موجود أصلا وإن قال أن التجلي هو مجرد ظهور وليس حقيقي وكأن السيد المسيح لم يكن شخصية حقيقية وفي كل الأحوال كما نري أنه يرمي أفكاره كسهام ملتهبة علي ذهن القارئ دون تدليل أو برهان كمَنْ يقول نافيا: لم يحدث ويصمت فهل هذا مُقنع؟
والأكثر من ذلك النظر من زاوية ضيقة دون التعمق في فكر أصحاب العقيدة أنفسهم فالسطحية التي تٌطرح بها الأفكار تبتعد كثرا عن الموضوعية المٌطالب بها.
- الأسد المرقسي: شبه كنيسة الإسكندرية بالأسد المرقسي المتجبر (247) وربط ذلك بالأسد الذي يظهر راقدا بجانب مار مرقس وهو يكتب الإنجيل في الصور الرمزية وهذه فكرة سطحية؛ لأن سبب وجود هذا الأسد بجوار مار مرقس أنه كان يكتب للرومان الذين لا يعترفون إلا بمنطق القوة، ولكنه أظهر لهم قوة غير التي يعرفوها؛ فاظهر لهم السيد المسيح له المجد بالقوي ولكن ليست قوة جسدية بل قوة وقدرة روحية؛ لذلك كثر ذكر المعجزات ووصفها، وحتى إن اُعتبر هذا لوصف من باب التشبيهات الأدبية، فلا يجب تسطيح الأمور لهذا الحد.
- يقول أن "كنيسة الإسكندرية تحرص علي الاستعلاء علي مدينة المقر البابوي بروما، والمقر الإمبراطوري بالقسطنطينية" (248) وهذه أخطاء لغوية ومعلومات غير صحيحة لأن في ذلك الزمان وحتى الآن لم يكن شأن أو سلطة لكنيسة أكثر من الأخرى ولا حتى المقر الإمبراطوري له أفضلية؛ لأن السلطة الزمنية منفصلة عن القيادة الروحية ولا علاقة بينهما، فهذه محاولة لجعل الأمر مجرد صراع علي السلطة.
ومن يتعمق في تاريخ الكنيسة القبطية يجد إنها كانت ولازالت لها استقلالية في الفكر وعمق في العقيدة ولم يسبق أن غيرت من مبادئها تحت ضغط أي حاكم أو سلطان زمني، وكذلك لا يجب علي الكاتب أن يطبق عليها مبدأ سياسي لم يكن موجود؛ لأن من المعروف أن المدينة التي يوجد بها السلطان الزمني لا يكون أعلي شأنا لا من الناحية الفكرية ولا يكون مركز تصدير الأفكار أو الفتاوى ودليل عدم أفضلية كنيسة علي أخري هو الاحتكام في الأمور الكنسية يكون من خلال (المجامع المسكونية) وهو ببساطة اجتماع كل رجال الدين من كل أنحاء الأرض المسكونة لمناقشة أمر ما محتكمين لأقوال الإنجيل ولكنه يُسطح معني المجمع المسكوني ويجعله مجرد اجتماع لجمع التوقيعات (353) ويتجاهل كل المباحثات والمناقشات التي تتم فيه.
- يقول أن (أمنحوتب) هو أعظم الأطباء في مصر القديمة (249) وهذا خطأ لغوي وتاريخي لأن أعظم الأطباء في مصر القديمة هو (إيمحوتب) وليس (أمنحوتب) الذي هو اسم ملك آخر، وهذه معلومة دارجة وبسيطة جدا لأي دارس للآثار!!.
- يوظف آية (كونوا بسطاء كالحمام) بشكل خاطئ (265) وحاول تطبيقها بإتاحة الزواج والطلاق بين كل الناس دون التزام، فما سر تطبيق هذه البساطة في الزواج فقط دون بقية نواحي الحياة؟ فهو يريدنا أن تشبه بالحمام في أفعاله الجسدية فقط ولا يدعو للتشبه بروحه البسيطة كما هو مُراد من الآية، رغم علمه موقف المسيحية من الزواج والطلاق.
- في حكاية (مرتا) أو (مارتا) – كما تُكتب أحيانا – يصور أن ذنب أمها الوحيد كونها وثنية متدينة !!! (313) فإن كانت هذه الرواية تُصاغ في وقت آخر لاحق، فهل كان سيتخذ نفس الموقف؟ أم سيصفها بأنها متجمدة الفكر ومتبلدة الروح وغائبة عن الحقيقة ومغلقة القلب عن الفهم؟ مجرد سؤال وليبحث كل أحد عن الإجابة داخله.
- يتساءل هل كلمة (آمين) هي نفس اسم الإله الفرعوني (آمون) (323) وهل نستخدمها لأن المسيحية هي امتداد للديانة الفرعونية؟ وكنت أود أن يقدم لنا الكاتب الأصل الحقيقي للكلمة ولا يكتفي بمجرد سؤال دون معلومة أو رد، وفي كل الأحوال – كما معروف – أن كلمة (آمين) كلمة يونانية معناها (حقا)، ومن الغريب إننا جميعا نستخدمها في عباداتنا باختلاف الأديان، مع العلم أنها ليست كلمة مستخدمة داخل مصر فقط ولكن في كل كنائس أوروبا وآسيا وإفريقيا وذكرت مرات عديدة في رسائل بولس الرسول الذي لم يكن له صلة بمصر أبدا.
- مرة أخرى يحاول أن يربط بين معني اسم شخص وصفاته وكأن الأسماء تمثل أصحابها بتطابق؛ فهو يربط بين الاسم (كيرلس) ومعناه (المرزبة) (345) – ولست متأكد إن كان هذا معناه أم لا – ولكن هذا تشبيه سطحي؛ لأننا لا نخشى كل مَنْ يسمي بـ (عبد الجبار) ولا نألف كل مَنْ يسمي بـ (عبد الودود)، وفي كل الأحوال كلمة (كيرلس) لا تعني المرزبة مطلقا ولكنها كلمة من أصل يوناني (كيريوس) وتعني (سيد).
- في نهاية الرواية يُعَرفنا أن المجمع قد صاغ قانون جديد للأيمان فيه إضافات علي القانون الذي أُقر قبل مائة عام في نيقية (358) وهذه معلومة خاطئة تماما حيث إننا احتفظنا بقانون الإيمان كما هو تماما وكل ما أُضيف هو مقدمة له، ولكنه هنا يوحي للقارئ بالتبديل والتعديل والتغيير ويكرر نفي الأمر لا حقا (367) في اسم الفصل الذي سماه بـ (قانون الإيمان) ويبدو أنه استشعر خطأه أو توقع نقده، فحاول أن يضع المعلومة الصحيحة لكن في شكل ضعيف فقال: "تلك هي مقدمة قانون الإيمان التي وصلتنا من أفسوس" ثم رجع وعمم وقال: "أعني صيغة القانون، أعني قانون الإيمان، أعني الإيمان بالله".
ومن باب التدقيق نقول أنه حشر كلمة (ثيئوتوكوس) في نص مقدمة قانون الإيمان رغم أنه مذكور معناها (والدة الإله) لكي يقول أن هذه هي نقطة الاختلاف لا أعرف لماذا حشرها؟
- أخيرا يقول لنا ما بداخله ولكن في غير صُلب الموضوع الأساسي لكي يهرب من المواجهة فقال أن (التجسد خرافة) (362) ولكن قالها علي لسان الشيطان عزازيل وتطبيقا علي الشيطان نفسه؛ عزازيل الوهمي الذي أصبح رمز الحقيقة وإعمال العقل، وقد شرحنا سابقا ما هو التجسد.
- يُعيد نفس الأسئلة التي أراها سطحية وبدائية عن موت السيد المسيح (365) كما قالها سابقا (23 ، 72) وببساطة نقول أن الجسد فقط هو الذي تألم ومات ولكن اللاهوت لن يستطيع أحد أن يمسه أو يحبسه في قبر وقد شرح لنا القديس أثناسيوس الرسولي (القرن الرابع) وشبه لنا وقال: "عندما يتحد الحديد بالنار ويُطرَق الحديد، هل تتأثر النار أم ينبعج الحديد فقط؟!!"
الانتقادات الدرامية وحبكة الرواية:
وهنا أركز علي الانتقادات الموجهة للحبكة الدرامية وسياق الرواية والتي يجب أن تكون مُقنعة ومُرضية لعقل القارئ:
- عندما يسأل قس طاعن في السن قضي حياته في التعبد والدراسة أسئلة بدائية من نوعية: كيف ورثنا خطية آدم؟ وما ذنبنا؟ (30) أليس هذا غير مقبول عقليا؛ لأنه إن لم يصل لإجابة شافية وهو في هذا السن، متى سيصل إليها؟ وإن كان لا يعرف، فلماذا استمر في هذا الطريق؟ فالكاتب يريد أن يصور لنا أنه أتي بجديد!! وعموما نحن ورثنا نتيجة الخطية مثلما يرث الابن من الأب ديونه ويكون مطالب بسدادها، فأنت قد ولدت بالفعل في الأرض وليس في الجنة وروحك تشتهي ضد جسدك وجسدك ضد روحك، فنفسك تأمرك دائما بالسوء، لماذا؟ أليس بسبب وراثة الخطية التي لآدم.
- كما ذكرنا في تحليل شخصية هيبا أن حكاية مقتل والده غير مُقنعة حيث أن والدته تآمرت علي والده دون سبب وكان الأجدى أن يجعل من والدته ضحية أيضا وأن يتزوجها أحد القاتلين عنوة، ولم يذكر لنا لماذا سلك هيبا هذا الطريق؟ هل هذا هروب وقيود للنفس كما ذكر، وكذلك من يتعرض لمثل هذا الحدث (مقتل والده أمام عينيه) لابد أن يصاب باهتزاز المعايير وهكذا ظهرت شخصية هيبا مهزوزة وحائرة (41، 42).
ولابد أن نقول أيضا أن أبسط مبادئ الرهبنة هو نسيان الحياة السابقة بما فيها، ولكننا نجد هذا الراهب دائما ما يتكلم عن ماضيه وخصوصا مرتا (51) التي جعلها الحبيبة المفقودة طوال الرواية، وقد يرد الكاتب بمنتهي البساطة أنه لا يصور حياة قديس إنما إنسان عادي قد تتسرب هذه الأفكار لعقله، والرد إن هذه الشخصية لا نستطيع أن نأتي منها بالحكمة أو بالحقيقة الغائبة التي يبتدعها ويبحث عنها الكاتب، وهذه الشخصية تخسر تعاطف القراء لما فيها سلبيات، وخصوصا أنه لم يُبرر خطية هيبا مع أوكتافيا أو مرتا ولا حتى ذكر إن هذا لضعف إنساني وكأن هذا شيء عادي !!! ولا نجد هيبا يندم أو يهتز أو حتى يأسف لفعله!!!، فكيف يكون هذا مقبول عقليا أو دراميا إلا لو كان الكاتب يريد أن يضع في ذهن القارئ أفكارا مُعينة تتسق مع هذا الفعل.
- كما ذكرنا سابقا أنه كثيرا ما يشرح تفاصيل لا يحتاجها الإنسان المتمرس في العبادة ولا تهم من يُدون مذكراته مثل توضيح مواعيد الصلاة، فهذا أخرجنا من سياق الرواية (58).
- كثيرا ما يقول كلام مرسل خارج سياق الرواية دون توضيح أو شرح، مثلما قال: "الشكوك التي تملأ نفسه في أسفار التوراة الخمسة" (120) فهو لم يشرح لنا ما هذه الشكوك؟ ولماذا تملأ نفسه؟ ولم يظهر في سياق الرواية أي أشارة لها، وهذا أخرجنا أيضا من لسياق الدرامي للرواية للسؤال ما هي هذه الشكوك دون إجابة شافية، وكذلك كما هو معروف أن ما يُخرج ذهن القارئ عن خط الرواية هو الوعظ المباشر الذي يجعلنا مستمعون لمحاضر يلقي علينا أفكار وكذلك طرح أسئلة دون رد، وقد يكون الهدف هو إثارة ذهن القارئ ليبحث ويفكر ولكن إلقاء الكثير من الأسئلة دون ضرورة درامية تجعلنا نشعر وكأنها خطبة أو محاضرة ولكن دون مُجاوبة، إلا إن اتضح أن هذه الأفكار هدفها توصيل ما يدور في فكر الكاتب علي لسان البطل وهنا نجد مرة أخري أن الرواية اختلطت بالدراسة مرة أخري وكذلك العقيدة الشخصية للكاتب.
- حكاية أخري أُقحمَت في السياق وهي حكاية الراهب الذي ترَهّب لفشله من الزواج من محبوبته وظلت هذه الحبيبة عالقة في ذهنه طوال حياته (168)، فإن اتخذنا جانب الموضوعية لابد أن تُطرح أمثلة إيجابية إلي جانب السلبية، ولكن كان المَثل الايجابي في نظر الكاتب هو نسطور وحده.
- غير مقبول دراميا أن يخلع الراهب ثيابه ويمزقها نتيجة انفعاله بموقف ما مهما كان (187)، ثم يعود ويرتديها مرة أخري ويستأنف حياته وكأن شيئا لم يحدث لأن خلعه وتمزيقه للملابس يعني تركه لهذا الطريق تماما.
- فاجئنا بقصة الولد الذي ظهر فجأة ليطلب منه الاعتراف – رغم أن الاعتراف يكون للكهنة فقط دون غيرهم وليس كل الرهبان – وظل يقص له الخطايا الجسدية التي يمارسها مع كل أهل بيته وحتى الحيوان (254 - 260) وأظهر لنا أن هذا الولد صورة من صور الشيطان عزازيل وفي النهاية يظهر أن عزازيل هذا هو صوت عقله الذي يبحث عن الحقيقة و عزازيل نفسه غير موجود ولكنه فقط مبرر الشرور، فما فائدة هذه القصة إذا؟
- يحشر تفاصيل غير موجودة ويبني عليها قصة مثل قصة المرنمة أثناء القداس (267) وكما هو معروف أن هذا لا يحدث وأن الترانيم وتأليفها وترتيلها يكون خارج الطقس الكنسي للقداس ولكن الحكاية كلها بنيت علي هذه المعلومة الخاطئة.
- وبعد أن يفعل الكثير من الرذائل يتساءل ويقول: "من المفترض أني قطعت علاقتي بكل هذه المظاهر الدنيوية" (335) وهذا تعبير ضعيف لا يعبر عن خطايا هيبا وما تستحقه هذه الخطايا، فما فعله ليست مجرد مظاهر دنيوية ولكنها حياة دنيا، فهل من المقبول منطقيا ودراميا أن يسطح الأفعال التي لا يريد التركيز عليها؟ ويضخم أشياء أخري لتأخذ شكل أكبر مما هي عليه؟ وحتى إن كان ذلك رؤية المؤلف التي يراها صحيحة، فهي قابلة للنقد وأن توصف بأنها غير مقنعة.
- في خياله نجد أن مرتا، وأوكتافيا، ونسطور يمثلان الحق في مقابل الباطل الذي في الكنيسة (338) ولا يشرح لنا لماذا يلتزم صفهم ولا يلتزم الموضوعية ولم يشرح وجهة نظر الكنيسة مطلقا، فهذه رؤية أحادية وحديث من طرف واحد بعيدة عن الموضوعية، وما دلالات قداسة هؤلاء الشخصيات؟ إلا إن كانت أفكارهم أقرب إلي ذهنية الكاتب، وهكذا برزت شخصية الكاتب من بين الشخصيات، وبهذا أخرجنا من سياق الرواية، لنفكر من هو الكاتب؟ وما هي عقيدته وقناعاته؟
- ثم يتحسر علي ما حدث بينه وبين مرتا وبناء علي هذه الخطية يتشكك في كل شيء عماده، رهبنته، إيمانه، وكل شيء (339) فهو يريد أن يقول أنها أظهرت الحقيقة له وبدلت حاله وغيرت كيانه ولكن المبالغة غير مقبولة منطقيا أو دراميا، ثم يكتمل الالتباس والشطط ليقول أنه يتمني أن يجمع بين مرتا وأوكتافيا كزوجتين فهو كراهب لا يريد أن يتزوج من امرأة واحدة كباقي المسيحيين ولكن بامرأتين !!! وحتى إن كانت هذه مجرد أفكار تدور في ذهنه ولكنها غير مقنعة.
أفكار سطحية وأفكار غريبة:
وهنا نرصد بعض الأفكار السطحية التي تفصح عن عدم المعرفة إلا بمعلومات قشرية دون تعمق وبعض الأفكار الغريبة الغير مبررة التي تبتعد عن جميع الديانات، فهو دائما ما يٌثني علي كل شيء ضد الكنيسة ودائما ما يذم رجال الكنيسة علي مقاومة الأفكار الغريبة؛ وهذا ليس به سبب سوي أنه يقبل فقط ما هو قريب من ذهنه بغض النظر عن التعمق في فكر أصحاب العقيدة، فإن رد وقال: أن هذه هي رؤية المؤلف وهو حر فيها، فالتاريخ كما قال ملك الجميع، وجب أن نشرح له أن للتاريخ يكتب من حيث وجهة نظر كُتْابه ولذا النقد لكي لا يكون أحادي الرؤية ويعتقد المُتلقي أن هذه هي الرؤية الصحيحة.
- ودائما ما يُثنى علي آريوس (53) ويصف كلامه بالحكمة ولا يقول لنا ما هي الحكمة التي تظهر من كلامه؟! لذا وضعتها ضمن تصنيف الأفكار السطحية ويصفه بصفات ليست لها دلالة القداسة أو العصمة من الخطأ مثل: مفعما بالمحبة والصدق والبركة وتبتله وزهوه، فكل هذه المظاهر لا تجعل كلامه مُسَلَم به دون مراجعة.
- يزعم أن آريوس كان هدفه تخليص الديانة من اعتقادات المصريين في آلهتهم (53) وكأن الديانة المسيحية قد بدأت في مصر !! وكل تشبيهاته سطحية مبنية علي الصدفة الشكلية أو الرقمية.
- من المعلومات التاريخية الخاطئة قوله إن ايزيس قد حبلت من أوزوريس دون مضاجعة وهذا خطأ لأن الأسطورة تقول أنها بعد أن جمعت جسد أوزوريس استخدمت سحرها لتحييه وتحبل منه بطريقة جسدية.
- تناسخ الأرواح من الأفكار الغريبة وقد ذُكرت مرتين، فحين توحد مع الشجرة وهذا مقبول أدبيا إن كان مجازا ولكنه يقول: "أنه تذكر في لحظة إشراق كثير من حيواته السابقة " (45)، وفي القصة العارضة التي لا أدري لزومها (59) حين يوحد روح الإنسان مع قرده ثم يسأل كيف يصبح الملاك قرد؟ رغم أنه كان يتكلم عن الولد وليس القرد، فهنا نحتاج تفسير ما يقصده !!
- كثرا ما يتحسر علي زوال الديانة والآلهة المصرية القديمة ومثال لذلك يقول: وماذا عن الإله القديم الذي ظل يُعبَد بوضع هذا الدير مئات السنين السحيقة؟ أين ذاك الإله الآن؟ بعد كل ما كان؟ (194) فنحن قد نحزن لزوال الحضارة وليست الآلهة المتعددة والديانات الوضعية!!
- يناقش فكرة القداسة بشكل سطحي (128) فهي ليست غاية ولا يشتهيها أحد لنفسه أو يشعر بها لأن من يشعر بها لا يكون قديس وتكون بداية غرور النفس وسقوطها لأن سليمان الحكيم يقول: "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح"
- تناول ما قاله السيد المسيح بخصوص الخصيان بشكل غير صحيح وتحدث عن إدانة العَلاّمة أوريجانوس بسبب هذا الفعل وصوّر الأمر كأن الكنيسة تناقض أقوال الإنجيل (129) ولكنه استخدم منطق سطحي واقتطع جزء من محتوي فلم يظهر المعني المراد لأن مَنْ يقرأ الجزء كله، يجد أن السيد المسيح كان يتحدث عن حالات ولا يوصي بها، ومفهوم الكاتب أن من يفعل ذلك بسبب الهروب من المشاكل وإعفاء النفس من المسئولية، ولكن إن دققنا سنجد أن السيد المسيح كان يتكلم أصلا عن الزواج والطلاق وليس خصي النفس؛ ففي هذا الجزء قد منع الطلاق إلا بسبب علة الزنا حيث أن الزواج في المسيحية "يصبح الرجل والمرأة جسدا واحدا وروح واحدا" وفي الزنا يدخل طرف ثالث دخيل بين هذين النفسين المتحدتين ويفرق بينهما؛ وبذلك يكونوا قد فرقوا ما جمعه الله، لكن هذا الأمر كان صعب علي الموجودين ولم يتقبلوه، فـ "قال له تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم و يوجد خصيان خصاهم الناس و يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات من استطاع أن يقبل فليقبل"
ويبدو أن هذا كان يحدث قبل المسيحية مثل الحالتين السابقتين لأن السيد المسيح يسردها كرد علي عدم احتمالهم لفكرة الزواج بدون طلاق، فرد الناس معناه: أن كان الأمر هكذا مع الرجل، فلا يوافق أن يتزوج، فرد عليهم: أن هذا من الصعب لكن لا يٌقبل إلا لمن يوهب ذلك، فهو يسألهم: هل تختار لنفسك هذا المصير أم ستقدس الحياة الزوجية لكي لا تفترقا.
- يصور أن من يلجأ للرهبنة يمكن أن يكون للهروب (168) مثل الذي ترهب لأنه فشل في الزواج من محبوبته، و أريد أن أقول أن من يلجأ لهذا الدرب معتبره طريقا للهروب فـيكون منافق وعادة لا يصمد ويرجع ولذلك توضع فترة الاختبار لطالب الرهبنة وليس لطالب المسيحية كما ذكر، مع العلم أن من يرجع عن طريق الرهبنة – في فترة الاختبار قبل ارتدائه ثوب الرهبنة طبعا – لا يكون آثما في نظر الكنيسة، وعندما واجهه بقوله: إذن إنك لم تودع الحياة يوم رُسمت كراهب، رد بإجابة ملتوية: الرهبنة نفسها موقف دائم من الحياة، فكيف أزعم أن ودعتها؟ فأنه يصور الرهبان وكأن الرهبان اتخذوا هذا الطريق لإخفاقاتهم في الحياة أو لأنهم يتخذون من الحياة موقف اعتراضي، وهذا تسطيح لفكر الرهبنة التي هي ببساطة الزهد والفقر الاختياري للتفرغ للتعبد، فهي فعلا موت عن ملذات الحياة ولكنها حياة أخري في الله وحده طلبا للحياة الدائمة معه.
أسئلة تشكيكية خارج السياق:
وجدت كثر من الأسئلة التي لا مغزى لها إلا إثارة الأفكار السلبية وإن قيل أن هذا هو الأدب لصنع مفكرون جدد وتفتيح أفاق جديدة، سأقول: أن هذه فرصة لتقديم المعلومة بشكل صحيح خصوصا أن الكاتب يأخذ جانب مضاد ولا يقدم بموضوعية وجهتي النظر ويترك للقارئ البحث والاقتناع، وهنا قد جمعت كل هذه الأسئلة وسؤالي للكاتب والقارئ معا: ما الفائدة من هذه الأسئلة؟ وهل هي مناسبة لسياق الرواية؟ خصوصا أن هذه الأسئلة لا يتم الرد عليها أو مناقشتها ولكنها مجرد أسئلة ذات توجه معين تدفع القارئ لاتجاه واحد.
- كيف وهو الإله يموت بأيدي البشر؟ هل الإنسان قادر علي قتل الإله وتعذيبه؟ وهل قام حقا من بين الأموات؟ (23، 72، 365)
- أتراه صلب حقا؟ (72)
- أهو حي؟ كيف قتله الرومان؟ وكيف مات أصلا؟ (365)
- والسؤال الأخير ورد عزازيل (الشيطان) لكي يهرب من الحرج ، فطبيعي أن يخرج من الشيطان هذه الأسئلة التشكيكية، ولكننا سنكتشف فيما بعد أن عزازيل الشيطان هو الحقيقة وهو نفسه هيبا الذي يريد الحرية من قيود العقيدة وهو عقله الذي لا يستطيع أن يمنعه من التفكير.
- هل الوثنية كلها شر؟ (47)
- هل تعتقد أن يسوع هو الله؟ أم أنه رسول الله؟ (47)
- ودليل انه يجد كثير من أقواله خارج السياق أنه يسأل نفسه: "لماذا أحكي كل هذه التفاصيل؟" (61) والغريب أنه وضع بعد هذا السؤال علامة تعجب (!) وليس علامة استفهام (؟) واعتقد أنه يتقن استخدام علامات الترقيم.
- لماذا أراد الله أن يبقي الإنسان جاهلا؟ هل المعرفة تمهيد للخلود؟ من هم أولئك الذين قال الرب أنه واحد منهم؟ وماذا لو ظلا جاهلان؟ هل سيخلدان في الجنة؟ كيف يصح الخلود مع الجهل والغفلة؟ ما الذي عرفاه؟ هل اللذة؟ (120) وطبعا كل هذه الأسئلة افتراضية لا فائدة منها.
إن استعرضنا تاريخ البشرية وما مر بها بداية من آدم وتعاملات الله معه، سنجد أن هذه الأسئلة ليست بأسئلة ولكنها بديهيات منطقية ومفهومة ولكن العيون تكف عنها، ربما لأننا لا نعرف مَنْ نحن كبشر، أم إننا لم نفتح عيوننا للبصر ولا آذاننا للسمع.
(في البدء) هذه هي أول كلمة في سفر التكوين والمقصود بها بدء وجود الكون، فقد خلق الله السموات والأرض وبالطبع كانت الأرض خربة خاوية وروح الله يرف علي وجه المياه التي كانت تغطي الكون، فالله لم يكن أبدا بعيدا عن خليقته ومخلوقاته، فالله جل شأنه لا يحتاج إلي هذا التعالي، وإلا لماذا خلق الكون؟ وكما نري أن الله لم يخلق الإنسان و يوجده إلا بعد إتمام خلق أركان الحياة في الأرض؛ فالإنسان آخر المخلوقات لأن الله أعد الكون لكي يتوّج عليه الإنسان، ولم يكن مطلوب من الإنسان إلا الالتزام بوصية الله التي هي "من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها؛ لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" وهذه هي التسمية الصحيحة للشجرة وليست التسمية المبتورة الموجودة بالرواية، وكما نري أن الوصية لم تكن صعبة وضيقة؛ لأن شجرة واحدة فقط هي الممنوعة – مع ملاحظة نباتية الإنسان وهو ما يلتزم به المسيحي الآن وقت الصوم – ولم نعرف ما هي ثمرة هذه الشجرة ولم يُذكَر إنها تفاح – كما ذكر في الرواية – ولكن يبدو أنها عُرفَت كشجرة تفاح في الحكايات الشعبية المتداولة ويبدو أن التفاح كان غالي الثمن علي مر العصور، ألا تري أن الاختبار كان سهلا؟ ألم تسأل نفسك يوما إن وُضعت في نفس الاختبار، ماذا كنت ستفعل؟ ستلتزم بالوصية أم ستكسرها؟
يبدو أن غريزة (الممنوع المرغوب) وُجدَت مع الإنسان منذ البدء، ولكن لا ننسي قول الكتاب المقدس بأن الله خلق الإنسان علي صورته ومثاله؛ لذلك يسعي الإنسان للكمال والمعرفة التامة رغم أنه لن يدركها، ولكن المشكلة أن الإنسان اعتمد علي ذاته المنتفخة كذبا، فسمع لغواية الحية عندما قالت لحواء: "لن تموتا" فيبدو أن آدم كان حاضرا للحوار من بدايته ولكنه لم يتدخل رافضا ثم بعد ذلك ألقي اللوم علي حواء، فالفرق بين ما أراده الله للإنسان وما أراده الإنسان لنفسه هو: إن الإنسان أراد الاعتماد علي ذاته المخدوع فيها بالغرور وهي نفس خطية الملاك الذي أصبح الشيطان، وكما رأينا أن نتيجة كسر الوصية هي طرد آدم وحواء من الجنة وعاشا في الأرض، فما هو معني قول الله لهم "موتا تموت"؟
كان آدم وحواء يعيشان في الأرض بعد الخطية ولكنهما ميتان، فالموت المقصود هنا هو انفصال الإنسان عن الله وهو أسوأ من الموت الجسدي للإنسان، ولكنك إن نظرت بعين واحدة ستقول: قد أكلا من الشجرة وظلا حيان، فماذا إذا؟ ولكن إن نظرت بالعين الأخرى ستقارن بين الحياة في الجنة والحياة في الأرض وستعرف الفارق حينما يفارق الإنسان طريق الله.
فلتنظر حولك الآن باحثا عن إنسان لا يضع الله أمامه، تجده قد انحط شأنه أكثر من الحيوانات وقد اقترف أبشع الجرائم بأيادي ثابتة لا ترتعش ودماء باردة وتقول عنه: إن ضميره مات، فكيف تري هذا الإنسان بضميره الميت كمسخ مشوه ولا تتخيل حال الإنسان عندما مات بالانفصال عن الله؟!!
حينما وضع الإنسان نفسه في هذا الوضع قال الله عنه: "هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأكل من شجرة الحياة أيضا ويحيا للأبد" بنفس حالته منفصل عن الله، ففضل الله أن يبعده راسما خطة عودته لكي يقربه – كما سنعرف فيما بعد.
ولكن مع مَنْ كان يتحدث الله؟ فمن المعروف أن صيغة الجمع للتبجيل، ولكن لماذا؟ لأن الأحادية البحتة لا توجد حولك إلا في الأشياء المسطحة فقط، فأنك عندما تري فيلما ثلاثي الأبعاد تجد نفسك تعيش في داخله؛ فمثلا الإنسان في كيانه الواحد نجد الجسد الذي يدل علي وجوده ونفسه بما تحمل من مشاعر وانفعالات وأفكار وعواطف وتجد أيضا روحه الدالة علي حياته، ومع ذلك لا تقل أن الإنسان منقسم أو متعدد ولا تحكم علي أحد مكوناته منفردا، فإن أخطأ الجسد؛ فإن الإنسان كله يُحاسَب ويُعاقَب، وإن كره أحد يُقال عنه أنه يكره فلان ولا يُقال نفسه فقط كرهت فلان ولكن روحه وجسده تحبه، وإن قُتل الجسد لا تستطيع الروح أن تعيش بدونه، فرغم الكيانات المتعددة في الإنسان ولكن الإنسان واحد ونفس المنطق هنا فيوجد الكينونة بالوجود الأزلي الأبدي، ويوجد العقل (الكلمة)، ويوجد الروح، وجميعهم في واحد حيث أن 1x1x1=1))
فالله لم يريد للإنسان أن يأكل من شجرة الحياة وهو علي حاله بطبيعته التي فسدت، فآثر أن يبعده لكي ينقيه ثم يقربه، ونحن ورثنا هذه النتيجة؛ حيث إنك تولد علي الأرض وليس في جنة عدن، وعندما تكبر تتركك براءة الطفولة التي ولدت بها شيئا فشيئا ويصبح كل بني آدم خطاء، ونفسك تأمرك بالسوء دائما نتيجة الخطية.
ولكن ماذا بعد هل انتهي التدبير الإلهي لهذا الحد؟!! خُلق الإنسان وتشوه ويظل علي حاله؟!! بما إننا لم نري الله استبدل الإنسان بمخلوقات أخري واحتمل أخطاءنا التي هي موجهة إلي الله ذاته؛ فنحن نقول عن أي خطأ إننا أخطأنا إلي الله وتوبتنا كذلك إلي الله، فهذا يدل علي قيمة الإنسان ومحبة الله له؛ فإنه لم يتركه في الأرض دون دليل يرشده بل مع طرده وعده بالعودة قائلا لحواء: "إن نسلك سوف يسحق رأس الحية التي أذلتك وأنزلتك للأرض".
ولما كان الإنسان خجلا من عريه، صنع الله للإنسان أقمصة من الجلد؛ جلد الحيوانات المذبوحة؛ المضحي بها، لكي يعلمه أن ستر خطيته يجب أن يكون من خلال التضحية؛ أي أن يوجد من يضحي نفسه من أجل الآخر؛ يفدي أحد الآخر، وهذه كانت أول إشارة،وليس من المجهول أنه حتى هذا اليوم يُذبح خروف الأضحية للتكفير عن الذنوب.
فقد أدرك الإنسان أنه يحتاج إلي مَنْ يحل محله ويُذبح بدلا منه حتى يستر بدمه خطيته التي عرته، ولكن إن بحثنا عبر الأجيال والعصور عن مَنْ يستطيع حمل هذا؟ وما مواصفاته؟ يجب أن يكون إنسان لأن المخطئ إنسان، ويجب أن يكون بلا خطية لئلا يكون محتاج لفادى مثل الباقيين، ويجب أن يكون بإرادته الكاملة قد قبل الموت دون ذنب أي أن يكون غير مكره علي ذلك.
أرسل الله كلمته للعالم في جسد؛ لكي نراها أمام أعيننا لأن الإنسان في طبيعته الملوثة أصبحت عيناه لا تري إلا الماديات وهذا مرض الأمراض عند الإنسان علي مر العصور، وروحه أيضا أصبحت معتمة لأنها انفصلت عن الله بسبب الخطية، وكان يجب أن يري بعينيه أنه من الممكن أن يكون ملكوت الله علي الأرض علي قلوب الناس
، ويجب أن نري كلمة الله الغير منفصلة عنه أمامنا بعد كل الأنبياء الذين مهدوا الطريق قبله.
وهكذا تجسد الله في المسيح يسوع ابن مريم، كلمة الله وروح منه، ولكن ما هي علاقة الآب بالابن بالروح القدس؟ كما نري هنا إننا لم نتكلم عن الجسديات قط؛ فلا يوجد علاقة جسدية أو فجوة زمنية بينهم، فهي علاقة روحية
أزلية لا يوجد بينهما أي فارق زمني؛ فالآب هو الكينونة والوجود، والابن هو العقل والكلمة، والروح القدس هو صفة الحياة، وهم جميعا في واحد.
هل يُعقل أن الله يتجسد في جسد إنسان؟ ورد السؤال بسؤال آخر: ماذا يمنع؟ هل هو انتقاص لقدرة الله – حاشا – علي ذلك؟ أو أن الإنسان لا يستحق هذا؟ فلماذا إذا خلق الله الإنسان؟ هل ليفني علي يد الشيطان؟ هل صار الله محدودا عندما تجسد؟ فالله كان في نفس الوقت يملأ الكون كله، ويتضح مما سبق محبة الله الكاملة قد فاقت تصور الإنسان.
فالله لم يرد أن يجعل من الإنسان جاهلا غافلا كما يتساءل الراوي ولكن أراد أن يرسم له طريق أفضل مما يحلم به الإنسان لنفسه، فالله تعدي حدود فكر الإنسان حتى عن ما يطلبه لنفسه، فالإنسان لم يكتسب لذاته إلا اللذة الجسدية وانتشي بها وشرب منها كما يشرب من ماء البحر ولا يرتوي ولا يكف عن الشرب منه، ولكن الله أراد للإنسان ما يفوق العقل الإنساني عن الاشتياق إليه.
وقد قصدت أن أتناول كل ما سبق معتمدا علي المنطق مخاطبا العقل ردا علي القول الذي ورد في الرواية الذي يقول:"أن العقيدة الصحيحة التي لكنيسة الإسكندرية لا تقدر أن تخاطب عقل وقلب الإنسان" (246)
الايجابيات:
النقد ليس ذكر الأخطاء فقط ولكن ذكر الايجابيات أيضا، وقد بحثت في كل صفحات الرواية عن الأفكار الصحيحة التي تُعبر عن موضوعها، وقد وجدت بعض التعريفات والأقوال الصحيحة للإيمانيات المسيحية، ولكني – للأسف – اضطرت أن أحذف هذا الفصل بعد كتابته؛ لأنني وجدت أن هذه الأقوال الصحيحة مكتوبة في غير موضعها، مثل: كونها علي لسان أحدي شخصيات كنيسة الإسكندرية التي قام الكاتب بالهجوم عليها بشدة مما أدي لتصويره علي أنه أحد الطغاة أو أنه بعد أن يعطي الوصف الذي أريد أن أبرزه ينقلب عليه ويسطحه، أو استخدام ألفاظ غير مناسبة للموضوع، فوجدت أن هذه الايجابيات تحولت إلي نقد سلبي آخر، فكيف أذكرها وهي في هذا الإطار المُشَوّه؟ وأقول عنها أن هذا هو ما نقوله أو يعبر عنا !!!، فلن يجده القارئ الفكرة في سياقها ولن تصل إليه الفكرة المطلوبة، رغم إنني كنت أبحث عن النقاط البيضاء كما تقتضي الموضوعية.
الخاتمة:
كما قلت في المقدمة، سأقول في الخاتمة: إن أردت أن نعرف ماذا يريد الكاتب أن يقول،؛ فلتقرأ الصفحات الأخيرة من كتابه وذلك توفيرا للوقت والمجهود والتجول بين سهول وهضاب الرواية وشخوصها ولكنك ستفقد متعة المعايشة للرواية وتذوق الأدب وإطلاق عنان الخيال للركض في عوالم متعددة مختلفة وهذا هو غاية الأدب.
فإن قرأت الصفحات الأخيرة للرواية، ستجد ما يريد الكاتب عن المسيحية وهو نقلا كالأتي: "أن اليهود أهانوا فكرة الإلوهية التي اجتهدت الإنسانية طويلا كي تصوغها، حضارات الإنسان القديمة علت بالإله، واليهود جعلوه في توراتهم منهمكا مع البشر، فكان لابد من إعادته للسماء ثانية وهكذا جاءت المسيحية لتؤكد وجود الله مع الإنسان في الأرض، في شخص المسيح، ثم ترفعه مستعينة بالأساطير المصرية القديمة إلي موضعه السماوي الأول بعدما ضحي (الإله) بنفسه، علي ما يزعمون من أجل خلاص البشر من خطية أبيهم آدم .. فهل انمحت الخطايا بعد المسيح، وهل صعب الله أن يعفو عن البشر بأمر منه. من غير معاناة موهومة، وصلب مهين، وموت غير مجيد وقيامة مجيدة" (365، 366)
هذه الكلمات من السهل جدا أن تجعل من يقرأها أن يصب جامات غضبه علي الكاتب ومنطقه السطحي ويقول له: أكنا ننتظر 2012 سنة حتى تأتي وتقول لنا ذلك؟!! فإنك لم تأتي بجديد وعليك أن تفتح عيناك وأذنيك وأن تحكم عقلك قبل أن تتكلم ولكني لن أسير في هذا الطريق وسأحاول رسم الصورة بخطوط بسيطة، حيث أنه يتضح الآن أن هذه الرواية بشخوصها وبصفحاتها ال 368 قد كتبت من أجل هذه الفقرة، وكان من السهل أن يسأل مباشرة ليجد الرد جليا، فالكاتب في طول الرواية يحاول أن يزرع في عقلنا الباطن فكرة تجبر الكنيسة وطغيانها؛ فكثيرا ما يوصف رجال الكنيسة بذلك (119) واتهامهم بالقتل (217،122) ووصفها بأنها السبب في انهيار الديانة كلها (179) وإنها تهدف إلي إعلان وصايتها علي كنائس العالم (245)، ثم ينقلب علي الديانة ذاتها، ففي البداية يدين البشر لكي يرد علي كل من يهاجمه بأنه يصور بشر غير معصومين من الخطأ ويسرب الفكر الأساسي عن الديانة، وبما أن العقل قد سلم وقبل الأولي، فلن يجد أي دفاعات مناعية للرد علي الثانية، وبخصوص هذه الاتهامات فهي كلها مردود عليها في كتاب الأنبا بيشوي الرائع بالأدلة التاريخية والمنطقية، لولا هجومه الشخصي علي الكاتب الذي أصبح ذريعة له لكي يقول أن الأدب حر والتاريخ للجميع وهذه الرواية أدبية خيالية ثم يرجع ويقول أن كل ما فيها حقيقي ما عدا شخصية هيبا كما ذكر في حديثة بجريدة المصري اليوم.
وكذلك كثيرا ما يتحسر ويترحم علي اندثار الديانة العبادة الفرعونية (58 & 71) خالطا بين الحضارة والديانة، فكلنا يعترف برقي حضارة وفكر مصر القديمة بما فيها من سمو عما حولها من الحضارات وبالطبع ليس معناه صحة ديانتها والحزن علي اندثارها.
وفي سياق كلامه الفلسفي البحت يظهر لنا نظرية لم أجد في صفحات الرواية ما يشرحها، إنها مجرد أفكار مرسلة مسرودة دون تدليل أو برهان فيقول: كل حضارات الإنسانية علت بالإله واليهود جعلت الله منهمكا مع البشر، وهذه طبعا مقارنة غير سليمة ولا مقبولة موضوعيا بين الديانات الوضعية الوثنية والديانة اليهودية السماوية، فحضارات الإنسانية حجبت الله لأنهم منفصلون عنه كما تم توضيحه سابقا أن الله في الأصل قريب من الإنسان، ولماذا لا تريد الله أن يكون بين البشر؟ أليس هذا ما يقوله الوجوديون الملحدون؟ ألم يقولوا لله: فلتبقي في السماء وتترك لنا الأرض؟ وألم يقولوا: أن وجود الله معناه انعدام وجودهم؟ فالله لم يخلق البشرية ليهملها وبعد ذلك تصرخ قائلا: سبحان الله عندما تري الدودة تُرزَق في الحجر والطير علي الشجر، فلماذا الآن تذم عناية الله بالبشر؟
ثم يقول أن المسيحية جاءت لتؤكد ذلك ثم ترفعه للسماء ثانية، فهذا تهوين للرسالة المسيحية وكأنها لم تأتي بشيء، فماذا عن المحبة والسلام اللذان حاولت تشويههم بذكر آيات ليست في محلها عن السيف ولم تذكر قول السيد المسيح عندما حاول تلميذه الدفاع عنه: "أرجع سيفك إلي غمده؛ لأن مَنْ يأخذ بالسيف، فبالسيف يؤخذ"
وفي رأيه أن المسيحية استعانت بالأساطير المصرية القديمة رغم أن كل المبشرون عاشوا بفلسطين ولم يكن لهم أي علاقة بمصر ونحن المصريين بشرنا مار مرقس الذي جاء من فلسطين، فكيف نلتفت لأقوال غير مدعومة بأي دليل؟
وحتى الأساطير المصرية التي يتحدث عنها أخطأ بها بذكر شيء غير موجود وهو ولادة ايزيس من أوزوريس دون مضاجعة وهذا تم الرد عليه سابقا والحضارة المصرية التي لم تستطيع أن تفرق فيها بين ايمحوتب أعظم مهندسين ذلك العصر وامنحوتب الملك فوضعت اسم الواحد بدل من الآخر.
ونلاحظ أنه وضع كلمة (الإله) بين قوسين، فهذا يوضح تحفظه الشديد علي ذلك ونلاحظ أنه لم يستخدم كلمة (الله) وهذا يذكرنا بالكنيسة التي تم الاعتداء عليها في اندونيسيا لاستخدامها لفظ (الله) الذي يبدو أن استخدامه أصبح حصريا، ويزيد من ذلك بالجملة الاعتراضية (كما يزعمون) وهي التي يجب أن توضع بين شرطتين وليس فصلتين كما كُتب.
ثم يمطرنا بكثير من الأسئلة دون وضع علامات للاستفهام، ولا أعلم لماذا لم توضح علامات الاستفهام؟ هل لخطأ في علامات الترقيم؟ وهذا الخطأ لا يجب أن يمر علي كاتب ماهر مثله إلا لو كان أن يجعل من هذه الأسئلة أجوبة.
وبخصوص الخطية، لم تقل المسيحية أن الخطية لن تجد من يفعلها ولكنها قالت: لا تشمتي بى يا عدوتي؛ لأني إن سقطت أقوم، فلن يكف الإنسان عن الخطأ ولكنه يستطيع أن يجاهد ضده حتى يتوب عنه ولا يكرره وسينتصر عليه سعيا في طريق الفضائل المتدرجة، فالمسيحية لا تعرف طريق عدم الخطأ ولكنها تعيش في حياة التوبة.
وطبعا من الصعب أن يأمر الله بالعفو عن الإنسان دون محاكمة أو عقوبة أو تكفير، علي الأقل كنا توقفنا عن إراقة دماء الأضاحي الرمزية؛ لأن من سن قانون فهو الأولي بتطبيقه، فالله كامل في العدل وكامل في المحبة، فالعدل الكامل وضع أنه يجب أن يكفر واحد عن الآخرين والمحبة الكاملة وضعت كلمة الله (المسيح يسوع) لأنه لا يوجد مَنْ يحل محله.
(عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد)
(رسالة بولس الرسول الأولي الي تلميذه تيموثاوس الاصحاح الثالث، الآية السادسة عشر)
-------------
الرابط التالي لتحميل كتاب الأنبا بيشوي (الرد علي البهتان في رواية يوسف زيدان)