أبوابك المغلقة (حوار حقيقي)
فلما جلسنا ملتفين حول فنجاني القهوة القاتمة،
ورحيقها يخترق أذهاننا، نشرب منها ونتلذذ بطعمها رغم ثقلها.
فبادرني بسؤال ربما يكون من وحي القهوة: هل تعرف كيف أرى الدنيا؟
أجبت بسؤال آخر: هل هي دنيا أخرى غير الكرة الدائرية التي نسير عليها وندور فيها؟؟ !!
قال: أشعر إنها
فناء متسع فارغ أتجول وأتوه في جوانبه ومصدر نوره يأتي من خلفي، ربما لكي لا يبهر
عيني، وهذا الفناء به الكثير من الأبواب؛ بعض هذه الأبواب مفتوحة أو نصف مفتوحة تتلاعب
الرياح بها، فأحيانا تذهب وأحيانا ترتد أو تغلقها بقوة، ولكنها تظل قابلة للفتح،
ولكنك لا تريدها فهي لم تكن أبدا أبوابك، أما الأبواب الأخرى فمغلقة لا تملك مفاتيحها،
ولكن قلبك يجذبك إليها، فتأنس وتستعذب المغامرة التي خلفها أحيانا، وأحيانا أخرى
ينقبض قلبك فلا يدعك تحاول فتحها.
قاطعته: ولماذا
أغلقت أبوابك؟
تعجب واندهش وقال: مَن؟ أنا؟ أنا لم أغلق شيئا !!!
فتعجبت كتعجبه وأكملت: أليست هذه دنيتك؟!! إذا فأنت من أغلق أبوابها. (!!!)
نظر لأسفل قليلا وقال بنبرة منخفضة: في الحياة، نحن مجبرين على كثير من الأشياء؛ نولد فنبكي، نكبر فندور
في مداراتها المتجددة حتى نخرج من دائرة زمنها.
ثم أكمل: هل
تعرف أكثر ما يؤلمني في هذه الحياة؟ الانتظار !!!
الانتظار لأحيى حياتي وليست حياتهم.
اعترضت : ولكن
الانتظار يعبر عن الأمل !!
فقاطعني: ولكن
عندما يطول تتبدل حروفه وتتحول من الأمل للألم.
فسألت: ولماذا
تنتظر؟؟ !!
كثيرا ما نبني الأسوار العالية، ثم نقتطع فيها
أبواب صغيرة نصنع مفاتيح أقفالها ومع الوقت نفقد هذه المفاتيح، وعندما نفتقدها،
ننسى إننا مَن صنعناها فنبقي على الأبواب مغلقة ومغلفة بأتربة الزمن العجوز؛ فنخشى
ما وراءها، لنكون كمن صنع صنما ثم خافه ومهابته سكنته.
لكن بدفعة واحدة قد نخترق هذه الأبواب المغلقة،
فتنفتح لنا عوالم جديدة وحياة متسعة ليس بها مصدر معين للنور ولكنها مضيئة
بأكملها، هوائها رقيق ينقي القلب وينعش الروح، خضرتها دائما؛ لأنها ترتوي بالندى
العذب والأمطار المدمرة لا وجود لها.
ويبدو أن أحاديثنا مرتبطة بفراغ قهوتنا؛
فينتهيان معا، فالتقط كل واحد فينا سلسلة مفاتيحه واستشعرهم لعله يجد بينهم مفتاح
أبوابه المغلقة.
No comments:
Post a Comment