كيف صلى يسوع كيهودي؟
نقد موضوعي ومناقشة أفكار
مقدمة:
إن كتاب "كيف صلى يسوع كيهودي؟" هو
كتاب مترجم بتصرف لكاتب يدعى تيموثي جونز Timothy Jones وقد ترجمه
راهب من البرية الشرقية لم يذكر اسمه، وهو في مجمله كتاب تأملي يهدف لاستعادة
الجذور القديمة للصلاة في العهد الجديد – كما ذُكر على غلاف الكتاب – ويضيف أيضا
أن الهدف هو التعمق في حياة الصلاة ولكن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: ما أهمية
التعرف على الصلوات اليهودية التي قد يكون صلاها السيد المسيح؟ وإن كانت لها أهمية
بالغة، لماذا لم يذكرها الإنجيل مثلما ذكر نصوص نبوات العهد القديم وأكد تحقيقها؟
ويحاول الناشر في مقدمته أن يجيب على هذا
السؤال وأوضح أن الإنجيل كان مهتم أكثر بالحدث الخلاصي، و إن كان هذا صحيحا، ولكنه
يضيف إن تلك الصلوات تُعطي بُعدا جديدا، وأثناء مناقشتنا لأفكار الكتاب سنحاول أن
نستكشف هذا البُعد الجديد.
نحن نعلم جيدا أن السيد المسيح لم يأتي لينقض
أقوال الكتاب ولكنه ليكمل (متى 5 : 17) ولكنه قدم وصايا ومبادئ جديدة لا تتناقض مع
وصايا العهد القديم ولكنها تكملها وتتسامى بها بل تعطيها بُعدا جديدا، لذلك
كان يقول: "سمعتم ....، أما أنا فأقول"، فالعهد القديم كله كان يهدف إلى
تهيئة البشرية للتجسد والفداء، ولذلك لم يذكر أن السيد المسيح قد جاء لاستعادة
الصلوات الليتورجية القديمة لليهود أو إكمالها، فعندما طلب منه تلاميذه أن يعلمهم
كيف يصلوا وفي داخلهم متيقنين أن العهد الجديد يجب أن تكون له صلاة جديدة، كان رد
السيد المسيح أنه علمهم صلاة جديدة ليست لها أي جذور قديمة مطلقا.
وقد ذكر الكاتب إن الصلوات اليهودية
المستخدمة في القرن الأول في عصر السيد المسيح من الصعب الحصول عليها لصعوبة
مصادرها، وإن معظم الصلوات المستخدمة في الكتاب من العصور الوسطى، ولذلك الكتاب
كله مبني على استنتاجات، وليس من المؤكد أن يسوع المسيح قد صلى هذه الصلوات
بالفعل.
وقد تسأل نفسك: لماذا لا نتعمق في صلاة يسوع كيهودي؟ ألم يقل عندما اعتمد من يوحنا المعمدان إنه
ينبغي أن يُكمل كل بر (متى 3 : 15)؟ لكن المسيح لم يكمل بر الكتبة والفريسيين
والناموسيين في أفعالهم وأقوالهم، فلم يحب المتكأ الأول ولا أهتم أن يصلي في زوايا
الشوارع، بل كان يتوحد في الجبل ليلا، ولم يهتم بغسل الأيدي والكأس من الخارج، بل
اهتم بما هو من داخل والذي يمكن أن ينجس الإنسان.
فلم يذكر الإنجيل إنه كان يذهب للمجمع كل سبت
ليصلي صلواتهم ولكن لتعليم الشعب ولشفاء أمراضهم وفك أسرهم من عبودية الشيطان
والمرض والخطية، ولم يذهب للعيد ليذبح خروفا وممارسة طقوسهم، ولكن لكي يلفت
انتبهاهم للذبيح الأعظم.
ومن الناحية الأخرى، ككتاب مترجم لكاتب غربي
غير أرثوذكسي كان من المتوقع وجود بعض المفاهيم والتشبيهات التي لا تناسب ما اعتاد
عليه وجدان القبطي الأرثوذكسي؛ لأن من الطبيعي أن يُعبر الكاتب عن أفكاره التي لا
تعترف بأسرار الكنيسة أو العقائد
الأرثوذكسية وهذا ما سيتم تفصيله في السطور القادمة.
ففي صفحة 37: يوصف مَن يجاهدون في الخدمة داخل الكنيسة
إنهم لم يتعلموا كيف يستقبلون بركات الله أو يبتهجون بها (!!!)، وإنهم يعملون لكي
يكسبوا حبا هم بالفعل يمتلكونه ويرتعبون من أن يخسروا حبا لا يمكنهم أن يفقدوه
(!!!).
ومن الواضح إنه لا يؤمن بالأعمال التي تلازم
الإيمان ليبقى حيا؛ لأن إيمان بدون أعمال ميت (يعقوب 2 : 26)، وكذلك تعميمه لهذا
المبدأ ولم يشر ولو إشارة بسيطة إن أولئك الذين يبذلون هذا المجهود إنهم يفعلون
ذلك لأنهم يحبون بالفعل ليس لأنهم يريدوا أن يحصلوا على الحب.
وفي صفحة 53: يتحدث عن عقد مبرم بين كل إنسان
والسيد المسيح نفسه، وهذا شائع في الفكر البروتستانتي حيث يُطلب منك توقيع وثيقة
لقبول المسيح كمخلص ويُطلب تسجيل هذا التاريخ، وكذلك يذكر القوانين الروحية الأربعة
ولم يفسرها لنا، وذكر أيضا "أقبل، آمن، اعترف" فقط ولم يذكر ماذا يجب أن
يفعل المؤمن ليجعل الإيمان ذو فاعلية.
وفي صفحة 55: يوصف سر الإفخارستيا وصف غريب لا يستطيع أي
مؤمن أرثوذكسي أن يقوله ولا حتى على سبيل التعريب في محتوى كتاب، فيقول:
"عندما يقبلون الله كمصدر للبهجة لا شيء لا يمكن أن يبقى كما هو ...........
فالإفخارستيا لن تكون بعد طقسا أجوفا حيث يتلعثم الكاهن وهو مرتبك
بخبز وخمر" (!!!!!)
فالإفخارستيا لم ولن تكون طقسا أجوفا؛ لأنه
سر أسسه السيد المسيح ذاته ولا يتحكم في فاعليته مدى تقوى الكاهن؛ لأن السيد المسيح
ذاته هو المُفعل لهذا السر بالروح القدس، ولن يتلعثم أو يرتبك الكاهن لأنه يحمل
جسد المسيح ودمه، فالوصف في مجمله إنكار لفاعلية السر وتقليل من قدسية الطقس، وأن
كانت هذه الترجمة بتصرف – كما يُذكر في أول صفحات الكتاب – كان من الواجب على
المعرب الأرثوذكسي أن يتصرف في هذه الكلمات أو يُصرفها.
ويتأكد هذا الفكر في الفصل السابع صفحة
103 حيث تم التركيز على الفصح اليهودي ولم يذكر إلا كلمات قليلة عن
الإفخارستيا ولم يوضح إن هذا السر هو المرموز إليه، فلا يجب أن نظل متمركزين حول
الرمز ونترك المرموز إليه؛ لأنه لا يتوافق مع قناعات الكاتب الشخصية.
ويقدم لنا الكتاب أوصاف غريبة بعيدة عن
أذهاننا وأرى إنها كانت تحتاج إلى تغيير أو على الأقل تفسير، مثلما يذكر في صفحة
55 أن " الله فتح السدادة من على فوهة زجاجة نبيذ الخمر التي أخفاها في
قبوه عند وقت الفجر" وأدرك أن هذا تعبير مجازي، ولكن في لاهوتنا القبطي
الأرثوذكسي لم نعتاد على مثل هذه الأوصاف.
وفي صفحة 67 – ويبدو أن هذه إضافة من المُعرب – إن الله
يشمل جميع الشعوب بما فيهم بائعة الطماطم وسيدة كارفور والشاب المتعاطي للترامادول
والفتاة التي تلبس الملابس الضيقة، وإن كان الله يبحث عن كل أصناف الناس بما فيهم
هؤلاء، ولكن كان يجب أن يذكر أيضا سائق التوكتوك الذي ذُكر في حديث رئاسي سابق.
ثم يخطف الكتاب أذهاننا ليستشهد بعلماء لاهوت
غربيين مثلما تحدث عن كارل بارث Karl Barth في صفحة
72 ولا نعرف ماذا فعل أو ماذا قال وهل أفكاره تناسبنا أم لا، أو وصفه لمشهد
من فيلم إيطالي (صفحة 134) ولكي نعرف قصده يجب أن نبحث عن هذا الفيلم
لنشاهده.
ويقدم لنا الكاتب والمترجم معا في صفحة 34
و 35 مفهوم جديد للبركة، وهو: إن باركت أحد يعني أن تحني ركبتك له أي
تخضع له وباختصار يصبح ضعيفا، وهذا ملائم لإنسان يقول: باركي يا نفسي الرب ولا
تنسي كل حسناته (مزمور 103 : 2)، لكن الجديد إن الله عندما يباركنا يُطبق عليه نفس
المبدأ وهذا الوصف تكرر في صفحة 41، ورغم إننا نعلم أن الله أظهر
بالضعف ما هو أكثر من القوة، ولكن قوة الله قد هزمت هذا الضعف وصعد إلى السماء وجلس
عن يمين الله ولم يعد يظهر مرة أخرى في صورة الضعف، فالسيد المسيح عندما ظهر لشاول
كان في قوة مجده حتى انحل تشامخ شاول في لحظات وتحول لبولس الكارز العظيم.
ويبدو أن هذا الفكر مُسيطرعليه ففي صفحة
116 وصف السيد المسيح الذي تكلم بمنتهى القوة أمام الجميع إنه يتجنب جذب
انتباه القوات الرومانية ولذلك همس، مع العلم أن السيد المسيح لم يكن يسبب أي
إزعاج للرومان وهذا يتضح في المحاكمة، لكن حسد رؤساء كهنة اليهود هو ما جعلهم
يسلمونه إليهم.
ويرى في صفحة 121 إنه بعد ألفي عام لم تُستجب صلوات وتضرعات السيد
المسيح وكأنه مجرد إنسان عادي يقدم طلبات قد تستجاب أو لا تستجاب، أو إنه ليس ابن
الله الكلمة (اللوجوس) وأقنوم الحكمة العارف مسبقا بما سيتم، فالكاتب أراد أن
يتحدث عن الانشقاق الذي تم، فلم يتتطرق لأسبابه، ولكن أراد صبغه بطريقة عاطفية،
فتحدث بشكل غير لائق لاهوتيا.
ويبقى ملحوظتان لغويتان:
1 – في صفحة 62 مذكور أن (الفُلك
المقدس) وهو الصندوق الذي يحتوي لفائف الكتب المقدسة، بينما مذكور في المعجم (صفحة
157) إنه (الفَلك المقدس)، ولم نعلم أي من اللفظين هو الأصح حيث أن اختلاف
الضمة والفتحة ينشأ معنى مختلف.
2 – في صفحة 85 وهي الآية
الموجودة في لوقا 17 : 21 "لأن ها ملكوت الله بينكم" وفي الجقيقة
كلمة "بينكم" لم تذكر في أي من ترجمات العهد الجديد العربية، فهي تُذكر
دائما "في داخلكم" مع إنها تذكر في الترجمات الإنجليزية within
أو midst وتترجم دائما في داخلكم، فلم
نعرف: على أي الترجمات اعتمد المُعرب أو ما هي الكلمة الأصلية التي ذكرها الكاتب.
وفي النهاية، لم ينكر الكتاب الحقائق
اللاهوتية، ففي صفحة 125 ذكر أن طبيعة الله الداخلية – طبيعة متنوعة للآب
والابن والروح القدس تتواجد في وحدة تامة، وفي صفحة 139 ذكر إنه
"اله يستطيع أن يشعر بنفس هذا الشعور" ولكن قدم لنا المسيح بالفكر
البروتستانتي.
الخاتمة:
بعد سرد هذه الملحوظات، تستفز ذهني هذه
الأسئلة:
-
كيف صلى يسوع كيهودي؟ فلم أعرف إجابة هذا السؤال؛ لأن جميع الصلوات
التي قد يكون صلاها غير مؤكدة وفي نفس الوقت لم يهتم الإنجيل أن يذكرها بعكس نصوص
النبوات من العهد القديم.
-
ما قيمة ربط رسالة الإنجيل المفرحة وحياة
السيد المسيح المحيية بصلوات العهد القديم؟ فالتلاميذ عندما طلبوا أن يعلمهم الصلاة،
علمنا صلاة جديدة وهي الصلاة الربانية، فهي لم تكن موجودة عند اليهود من قبل ولم
يقل لهم: "صلوا كما اعتدتم" مثلما قال للغني عن الوصايا (متى 19 : 17 –
19) أو الناموسي الذي قام ليجربه (متى 22 : 35 - 40)
-
لماذا لم يسمى الكتاب "كيف صلى المسيح
كيهودي؟" لتعبر عن طبيعة الكلمة المتجسد وليس الناسوت فقط؟
-
كيف أسهمت هذه الصلوات في تعميق روح الصلاة؟
-
أخيرا: ما هو البُعد الجديد الذي أضافته هذه
الصلوات؟ هل هذا هو بُعد جديد عن روح العهد الجديد؟