أسئلة عن الولايات العربية المتحدة
من حين لآخر يصل إلى مسامعنا تصريحات بشأن
إحياء الخلافة الإسلامية أو تكوين الولايات العربية المتحدة على أن تكون عاصمتها
القدس، وقد بدأت بتصريحات مرشد الأخوان المسلمين: "بأننا نقترب من أستاذية
العالم وعودة الخلافة الإسلامية والحكم الرشيد"، وقد أعقب ذلك تصحيح من
المتحدث الرسمي باسم الجماعة: "بأن هذا سيحدث بعد مئات السنين" – فكيف
اقترب تحقيق هذا إذا؟!!
ثم أعلن صفوت حجازي في ميدان التحرير:
"تكوين الولايات العربية المتحدة وعاصمتها القدس"!! – دون شرح أي تفاصيل
!!
وأنا هنا لست بصدد مناقشة الفكر أو الحلم نفسه
لأن لكل فرد أو جماعة الحرية التامة في صياغة أفكارها وأحلامها ولكني بصدد مناقشة كيفية
تنفيذ هذا المشروع معتمدا على التجارب التي حدثت في التاريخ القديم والحديث؛ وذلك
لأن أصحاب المشروع لم يقدموا لنا حتى الآن أي تفاصيل أو منهج لذلك.
ولأننا لا نختلف على أن في الاتحاد قوة، ولكننا
علينا أن نفكر في كيفية تحقيق هذا الاتحاد، وكما يبدو أن هذا الاتحاد سيكون على
أساس ديني مما يرجعنا مرة أخرى لفكرة الدولة الدينية، والتي يتم التعامل فيها مع
الأشياء النسبية مثل أمور السياسة والقانون وظروف الحياة بثوابت ومبادئ مطلقة وهي
أحكام الدين مما ينتج تفسيرات للمبادئ الدينية وتشكيلها لتتناسب مع هذا الأمور
النسبية، أو بجعل الأمور النسبية السياسية والاقتصادية منها تخضع لقواعد مطلقة
دينية، وكذلك هذا يضعنا في إشكالية ما هو الفقه الذي سننتهجه في الحكم بالشكل الديني
وما هوية الحاكم، وفي كل الأحوال هذا ينتج اختلال للمعايير وتنحية العلم جانبا
ووقف حرية الإبداع الذي يتطلب الحرية للخروج من القوالب الثابتة، وهذا ليس معناه
خرق كل المبادئ والأعراف ولكن الإيمان بالتطور والتغيير.
وعادة ما يتم اختزال فكرة الدولة الدينية في
نموذجها الذي حدث في أوروبا في العصور الوسطى حين تحكمت الكنيسة في أمور السياسة وان هذا لا
وجود له هنا، ولكن هذه النظرة الضيقة لا تتفق مع حقيقة أن إمبراطوريات الخلافة
كلها الأموية منها والعباسية والفاطمية حتى العثمانية كانت شكل من أشكال
الدولة الدينية، ويكفي أن نتصفح تاريخ هذه الحقب وما صاحبها من صراعات دموية على
الحكم وظلم لرعاياها حسب هوى الحاكم حتى نعرف أن هذه البلدان ظلت تحت ثقل هوى
الحكام وبعيد عن التطور الذي يحدث في العالم حتى أصبحت فريسة للاحتلال حتى أنهى
مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية في تركيا وبدأ في بناء دولته الحديثة على
أساس وطني كما حاول أن يفعل محمد علي في مصر.
وتوحيد البلدان والأقطار المختلفة له
طريقتان في التاريخ:
الطريقة الأولى
وهي الغزو أو الفتح، وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي حتى حرر القدس، واعتقد أن هذه
الطريقة غير مطروحة وغير مقبولة وإلا كان علينا أن نعتبر غزو صدام حسين للكويت
خطوة على هذا الطريق، وأما الطريقة الثانية وهي التفاهمات والاتفاقات
السياسية، وهذا ما حاول أن يفعله جمال عبد الناصر بعد فشل الجيوش العربية في هزيمة
إسرائيل في فلسطين سنة 1948 ولكن هذا المشروع لم يكتمل لعدم وجود منهج علمي أو أساس
واقعي قوي له.
ولعل الاتحاد الأوروبي أبرز مثال لفكرة الاتحاد
في العصر الحديث، ولكن علينا أن ندرك أن هذا الاتحاد لم يقم يوما على أساس الإخضاع
العسكري أو من خلال سيطرة بلد على أخرى ولكنه بدأ كتكامل اقتصادي متدرج ومصالح
مشتركة؛ ولذلك نجد أن القاسم المشترك بين هذه الدول هو العملة (اليورو) بدليل فشل
مشروع الدستور الأوروبي الموحد بعد رفضه في الاستفتاء الشعبي في فرنسا وهولندا مما
أوقف الاستفتاء عليه في باقي الدول، ورغم أن هذا الاتحاد كان على أساس منهجي مدروس
واجه بعض المشاكل التي تهدد بانهياره مثل الأزمة الاقتصادية في اليونان وثقل
التكافل الذي يجب أن تقدمه بعض الدول الغنية مثل ألمانيا للدول الفقيرة، مما دفعها
لتوجيه رسالة لليونان قائلة: "عليكم أن تتوقفوا عن طلب المساعدة بشكل دائم.
أما الطريقة التي قد يلجأ إليها أصحاب هذا
المشروع هو التغلغل في الشعوب العربية للوصول للحكم، فحكم الإخوان المسلمين في
مصر، وتونس، وفلسطين، والسودان، ومن المنتظر في سوريا هو أول خطوات هذا
المشروع الذي لا نعرف أي تفاصيل عنه أو أي منهج له، ولا نعرف أيضا كيف سيقتنع
الدول النفطية الخليجية الغنية بتفكيك القواعد الحربية الأجنبية على أراضيهم أو
تخليص بحارهم من الأساطيل الأجنبية دون صدامات عسكرية؟ وكيف سوف يقتنعوا بفكرة التكامل والتكافل مع
دول أفقر مثل السودان والصومال وموريتانيا؟
ولكن بنظرة بسيطة للدول المحيطة بنا التي تفضل
هذا المشروع، نجد أن في فلسطين شبه حرب أهلية بين فتح وحماس وأصبح الصراع والقتال
مستمر بينهم وتسعى الدول الأخرى للصلح بينهم، وعندنا السودان وقد أصبحت سودانين؛
لأن القبائل التي من أصل أفريقي لم تجد لنفسها مكان داخل هذا الكيان، وخطوات تونس
تتعثر في طريق الاستقرار والتقدم، وأما الدول المتعثرة فلم تقم من عثرتها مثل
الصومال واليمن.
ويشهد التاريخ أن أضعف وأبهت عصور مصر عندما
كانت ولاية فرعية وليست مركزا؛ لأن العاصمة دائما ما تحرص على استنزاف الولايات
الأخرى لتنمية مركزها، و لك أن تقارن بين وضع مصر تحت ثقل الخلافة العثمانية
ووضعها في عصر المماليك أو محمد علي أو حتى علي بك الكبير.
إن ضبابية الأفكار وعدم وضوح المناهج هو ما
دفعني لوضع هذا التصور وننتظر مزيد من التوضيح في الأيام القادمة.