Wednesday, June 13, 2012

الخوف في حياتنا

الخوف في حياتنا


هل شعرت بالخوف؟
وهل فكرت في أسباب خوفك؟
وهل هذه الأسباب حقيقية أم زائفة؟
ما مدى سيطرة مخاوفك عليك؟ وهل تتحكم في أفعالك؟
كم من الأفعال فعلتها بدافع الخوف؟
وكم من أفعال لم تفعلها بسبب الخوف أيضا؟

في مشهد من الفيلم الشهير "شيء من الخوف" يقف أهل القرية جميعهم أمام الترعة الجافة وفي بدايتها طلمبة المياه الرئيسية والأراضي حولها مشققة من العطش وكذلك الفلاحين وأطفالهم، ولا يجرؤ أحد من الموجودين أن يمد يده لفتح المياه خوفا من (عتريس) فيما عدا (فؤادة) التي قررت أن تفتح المياه وسط فرحة من الفلاحين.

والسؤال: إلى هذا الحد يأسر الخوف أصحابه؟ ولكن من ماذا يخاف أهل القرية والموت من العطش أمامهم؟ فهل الخوف يكون أقوي من خشية الموت؟ هذا رغم أن الخوف يقود إليه !!


الخوف في علم النفس: 
هو شعور قوي ومزعج تجاه خطر، والخوف له نوعان:

الخوف الموضوعي الذي يكون نتيجة تهديد حقيقي مثل تهديد من حيوان مفترس أو ما شابه ذلك أو خوف غير موضوعي والذي يسمى الـ (رهاب) وهو الخوف المرضي وينشأ عن مواقف لا تهدد الإنسان بشكل حقيقي كالخوف من الظلام أو الأماكن المغلقة أو المرتفعات، وهذا الخوف المرضي معروف بالـ (فوبيا).

والمخاوف المرضية الوهمية عادة ما تكون نتيجة المرور بخبرة سيئة في الماضي هي التي زرعت الخوف في المستقبل، ومن الغريب أن يكون الخوف من المجهول، وهذا المجهول لا يعرفه الإنسان ، فكيف تخيله؟ وكيف حوله لشيء ملموس كأنه موجود؟

وهنا تتدخل تصورات الإنسان وقناعاته وخبراته الشخصية في ذلك، فمن صعق من الكهرباء فلن يتجرأ ويتعامل مع الكهرباء فيما بعد، ومن سقط من مكان مرتفع لن يسكن في طابق مرتفع، والمثل الشعبي يقول: (اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي).

فمعظم المخاوف تكون نتيجة أحداث سابقة تم رؤيتها ولكنها تنعكس على أمور مستقبلية لم تأتي ولم ترى بعد خوف من تكرارها.


وهكذا يصبح الإنسان سجين مخاوفه، ولكن بداية التحرر من هذا السجن هو معرفة سبب هذا الخوف، والسؤال إذا كانت أسباب هذا الخوف قد زالت من الواقع وتوجد داخل الإنسان فقط، ثم خوض تجربة التغلب على الخوف بالتدريج بشكل محسوب.



تاريخ الخوف:
فإن كان الخوف يتحكم في كثير من تصرفات الإنسان ويوجهها، ولكن إن استعرضنا تاريخ الخوف أو الخوف في التاريخ، فسنجد أن الخوف أو الاحتياج للأمن هو الذي دفع الإنسان لحفر الكهوف والاحتماء فيها، وتطورت الكهوف لتكون بيوت محصنة ذات أبواب وأسوار، وعندما شعر باحتياجه للآخرين ليحتمي بهم تكونت القرى والمدن ذات الأسوار العالية، ثم توحدت المدن لتكون امبراطوريات وممالك لها حدود ويحمي الحدود القلاع العالية خوفا من الأعداء الموجودين أو الغير موجودين ولكن ربما يظهرون.


ونفس الفكرة هي التي دفعت الإنسان لتعلم فنون القتال وتكوين الجيوش النظامية التي صارت شرف لمن يلتحق بها بما فيها من أخطار إصابات أو الموت في الحروب؛ لأن من يشارك فيها لن يوصف بالخائف أو الجبان، وهكذا وجه الخوف الإنسان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، ففكرة المخزون الاستراتيجي للمال أو الذهب أو البترول نابعة من الخوف من فقدان هذه الأحتياجات الأساسية.


ولا تخلو تجربة الإنسان في مقاومة الخوف من بعض المحاولات الساذجة مثل بناء برج بابل، فبعد الطوفان خاف الإنسان من تكراره ويقضي عليه، فلجأ لبناء هذا البرج  ليحتمي به وقت الطوفان والذي عنده تبلبلت الألسنة وتعددت لغات البشر.

ومن الناحية السياسية،ونحن على بعد أيام من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، نجد أن اختيار الناخبين سيكون بدافع الخوف وليس الاقتناع، فمن سينتخبون الفريق أحمد شفيق هم من يخافون من حكم الأخوان المسلمين ومرشدهم الذي لم ينتخبه الشعب، ويهابون أفكارهم ومنهجهم وتغيير مواقفهم حسب الظروف، وإن كان هذا مبرر فلن يثبت لهم موقف لأن الظروف دائما متغيرة.


أما من سينتخبون د. محمد مرسي فهم من يخافون من عودة النظام السابق والفساد والقمع، وفي نفس الوقت ليس لديهم مانع من انتخاب رئيس هو مجرد واجهة لجماعة سياسية ذات صبغة دينية، وبغض النظر عن صحة هذه المخاوف فإنها تتحكم في اتجاهاتنا وتصرفاتنا.


ومن الناحية الأجتماعية، فيزداد الحديث الآن عن مخاوف الأقباط من المستقبل - رغم أن هذه المخاوف ليست جديدة - ومن حكم الرئيس القادم، فيخافون على أمنهم وحريتهم، ويخافون على بيوتهم وكنائسهم، وهذا نتيجة ما مر من حوادث شديدة العنف ضدهم.


فمثلا تجد أن في عمق الصعيد في قرية مثل قرية الكشح يكفي خلاف بسيط بين قبطي ومسلم ليتحول إلى عقاب جماعي لكل أهل القرية من الأقباط يترك خلفه عشرات القتلى وقد حدث هذا مرتان في نفس القرية، أو إشاعة تحويل منزل إلى كنيسة تؤدي إلي تكدير القرية بأكملها، والسيناريو الجديد وهو تحول أحد الأشخاص عن ديانة لأخرى لأسباب عادة ما تكون عاطفية، وأما عن تفجير كنيسة مثل ما حدث في كنيسة القديسين بالأسكندرية أو فتح النار بشكل عشوائي على الخارجين من الكنيسة في ليلة العيد مثلما حدث في نجع حمادي، فهذا من شأنه زرع الرعب والخوف في قلوب أجيال بأكملها.

وما يزيد من التخوف هو عدم معاقبة الجناة في الأحداث الطائفية فيما عدا طبعا إعدام (حمام الكموني) الذي أعدم وحده دون شركائه وقيل حينها أنه أعدم لأسباب سياسية، ولكن عدم الكشف عن الذين نفذوا مذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية أو التحقيق في أحداث ماسبيرو وتبرئة جميع المتهمين في الأحداث الطائفية، فهذا ما يثير المخاوف.


ويتضح من هذه الأحداث إنها عادة ما تكون مرتبطة بالأماكن الأكثر فقرا وجهلا، فلم نرى تلك القرى تطالب بتحسين الظروف المعيشية أو خدمات أفضل من الحكومة، ولكن الفقر المرتبط بالجهل يجعل التنفيس عن الذات في اتجاه الآخر المختلف وهذا ما يخيف !!.


أما عن مخاوف المسلمين، فقد تتعجب إن تكلمنا عن وجودها: فكيف لأغلبية عددية أن يكون لها مخاوف؟!! ولكن المخاوف قد تكون موجودة من سياسات ما قبل الثورة فمثلا التدين كان يعتبر تهمة ويكون ملتصقا بالتشدد أو التطرف أو حتى الأرهاب.

وكذلك تجد أن نداء بسيط من شخص في قرية أو حي شعبي بأن الدين في خطر ومهدد في بلاده قادر أن يحشد أعداد غفيرة قد تكون مستعدة لأي فعل حماية للدين حتى ولو كان الفعل فيه تجاوز أو تخريب أو إيذاء، فهذا رد الفعل السريع العنيف دليل على الخوف، والمشكلة في اعتقادهم في وجود من هو ضد الدين في بلد أغلبها متدينون، وهذا ما أشيع في وقت الاستفتاء على الدستور، فحتى إن تم تغيير المادة الثانية، فهل يستطيع أحد أن ينتزع الدين من صدور أصحابه؟؟!!


وهكذا يتحكم الخوف في تصرفات حامليه وكذلك تصورات الإنسان عن مخاوفه تتحكم في طرقه، وإن كان الخوف إحساس طبيعي يشعر به الجميع، ولكن سيطرته هي المشكلة، فإن تخيلت نفسك بدون مخاوف، ستشعر إن لك جناحان تستطيع أن تعلو بهما فوق مستوى أي عقبات.

No comments:

Post a Comment