Saturday, May 25, 2013

الاستغلال



الاستغلال 


يوجد بعض الكلمات التي لها أثر سلبي في النفس عندما نسمعها بغض النظر عن معناها الحقيقي؛ فمثلا كلمة "استعمار" تأتي من "التعمير" ولكن السياسات التي صاحبتها جعلت المعنى المباشر لها يعني استيلاء بلد على أرض بلد آخر، وكذلك كلمة "الاستغلال" فالمعنى المباشر لها هو الانتفاع وعكسها "الإهدار"؛ أي إنها تحمل في باطنها معنى إيجابي أيضا ولكن المشكلة في الظروف والأحداث التي استخدمت فيها هذه الكلمة فجعلت السمة القريبة المباشرة لها سلبية.

فهل الاستغلال شيء سلبي أم إيجابي؟  كما هو معروف أن الإنسان هو رأس الكون وله أن يستغل كوكب الأرض بطبيعته وثرواته وخيراته بما لا يضر الطبيعة أو ينتهك حق إنسان آخر، إذا فالاستغلال للأشياء يكون مقبولا إذا كان باعتدال وأما استغلال الأشخاص فهو الوجه الآخر لمعنى هذه الكلمة.

وربما هذا المعنى هو الغالب على أذهاننا، فاستغلال الإنسان لإنسان آخر للوصول إلى رغبات ومصالح شخصية دون مراعاة حقوق الإنسان المستَغَل فهو قمة الدونية وازدراء للمبادئ الإنسانية، وقد تفنن الإنسان في استغلال الإنسان، وعادة ما يكون الاستغلال للآخر الأضعف كالمرأة والطفل.

فالعبودية أسوأ وأقدم صور الاستغلال لأنها تسمح لإنسان باستعباد واستغلال إنسان آخر أضعف في القوة البدنية أو الإمكانيات المادية ؛ فقديما كان من لا يستطيع سداد ديونه يباع كعبد هو أولاده حتى يفي بدينه.

وهناك أيضا استغلال بالتضليل أو الاستغلال الفكري وهذا النموذج موجود بشكل كبير في المجتمعات الثيؤقراطية (الدينية) وفيها يقنع فيها الشخص المستغِل الآخرون المُستغَلون بأنه يعرف أكثر وأفضل منهم فيقودهم كعميان إلى المجهول ويكونون عميان قادة عميان فهم يحملون الناس أثقال كثيرة ولا يمسوها بأطراف أصابعهم .

أما الاستغلال في العمل، فقد يتم استغلال العمال إذا طبقت نظرية "العرض والطلب" على الإنسان فيستغل صاحب العمل قلة الفرص لاقتطاع أجزاء من حقوق العمال.

أما الإنسان المستَغَل  فله نوعان: الأول هو الذي يتم استغلاله قسرا دون رغبته، وهذا يشعر في داخله بالمرارة الدائمة وينتظر الفرصة المناسبة لكسر قيد الاستغلال ودائما ما يصفه من يستغله بالمتمرد أو الناقم أو المتنمر، أما النوع الثاني فهو المستغَل وهو لا يشعر وهذا النوع أكثر ارتياحا، ولكنه في الحقيقة أكثر بؤسا؛ لأنه لم تنفتح عيناه بعد على حقوقه أو أن عيناه انفتحت على واقعه وهو لا يعرف إنه مستغَل.

أما من يستغِل فمنهم أيضا نوعان: الأول مَن يبرر لنفسه بأنه كان ضعيف وعندما صار قوي عليه أن يفعل كما فعل به الأقوياء وهذا النوع يشعر بخطأه ولكن يبرره، أما النوع الآخر فهو المُغَيب والذي يرى فعلا إن من حقه استغلال الآخرين وتحريكهم حسب أهوائه بطيب خاطرهم وكامل موافقتهم.

ولكن هل فكرت يوما لماذا عندما ترى إنسان تحت الاستغلال لا تحزن من أجله وتعتبره شيء عادي؟ هذا لأن المستغَل عندما يكون راضي يفقد تعاطف الآخرين معه عملا بالمبدأ القائل: "من يقبل على نفسه شيء يقبله الآخرين عليه، ومن لا يحزن على نفسه لا يحزن الآخرين عليه" وهذا مبدأ شائع رغم بشاعته حتى أن المستغَلين لا يتعاطفون من أجل بعضهم بحجة إنهم (في الهوا سوا) أو إنه لا مفر من الاستغلال.

ربما تشعر الآن بالثورة على مظاهر الاستغلال حولك ولكن ليس هذا هو الهدف، ولكن الهدف هو التعاطف مع مَن هم في ضيقة الاستغلال؛ لأنه ربما يكون الإنسان مستغَل ومستغِل في نفس الوقت نتيجة الانجراف مع التيار.

Saturday, May 18, 2013

الدوائر المتقاطعة - قصة قصيرة



الدوائر المتقاطعة


فلما خرج في طريقه المعتاد إلى عمله الموجود في الضاحية الجديدة والبعيدة عن المدينة المزدحمة وبدأ يتخطى في طريقه المدينة بمبانيها الرمادية المتراصة - والتي يخترقها النيل بصفحته الزرقاء والتي عادة ما يتحول لونها للفضي اللامع في وقتي الشروق والغروب في فصل الخريف - إلى الطرق الزراعية ذات الأغلبية الخضراء، ثم الانتهاء بالطريق القاحل الذي يشق اصفرار الصحراء حتى يصل إلى العمران مرة أخرى، وهذا العمران الذي يملك طبيعة جديدة تختلف عن الطبائع الثلاث السابقة.

وفي الطريق، كان عادة ما يحاول أن يشغل وقته ليمر ولكن الوقت كان يتمرد عليه، فيحاول مداعبته فيستمر تمرده، فيضطر إلى قتله؛ فتارة يشغله بالنعاس الذي أحيانا يكون مصطنعا وأحيانا أخرى يكون عميق يملأه الأحلام، أو يداعبه بسماع موسيقاه المفضلة؛ فهذا صوت أصيل من عمق جبال لبنان يأتي برياح لطيفة تبرد طريقه الملتهب، وهذا صوت آخر حار من أقصى جبال النوبة يدفئ الساعات الباردة، ولما يتمرد الوقت على هذا أيضا يلجأ لقتله؛ فيقرأ رواية تنقله إلى واقع آخر وأبطال آخرون يتعايش معهم، أو كتاب يحمل فكرا جديدا يحرك مياه الأفكار الراكدة في عمق ذهنه، أو كتاب يمس روحياته ويذكره بإنسانيته.

ولكن وراء كل هذا كان يفكر وذهنه لا يهدأ حتى بعد تغطيته بجميع الأغلفة السابقة، فالطريق كما هو ولكن معالمه تتغير؛ فها هنا كانت ثورة لم تكن مفهومة في بدايتها ثم ناجحة بعد ذلك ولكنها أصبحت مشتتة فيما بعد، وهنا آثار تدمير وحريق لم يُرمَم بعد، وهذه قطرات دماء سائلة لم تجفف بعد، والعيون تنظرها بدموع تسير في طريقها المحفور على وجوه أصحابها حتى تتلاشى.

ولكن ماذا عن البشر؟!! كل إنسان يدور في دائرته بعدد لا متناهي من المرات ويلتقي ويتلامس مع الآخرين في نقطة واحدة لا أكثر؛ فهذا في العمل، وهذا في الطريق، وثالث على فكرة وآخر في مصلحة أو مكان، ودون هذه النقاط المتماسة لا يتواجدون.

فمتى تظهر مساحات متقاطعة بين الدوائر تنشأ مساحات مشتركة؟!! - رغم أن الاختلافات أكثر من المتفق عليه - ومتى تتشابك هذه الدوائر حتى تتحد وتتطابق؟!!

متى يخرج الإنسان من دائرته المفروضة عليه ويصبح كوكب يسلك في مسار يختاره بنفسه حول الشمس؟!! هل يجد يوما قمرا يؤمن به ويدور حوله ويسلك مساره؟!!

هذا وأثناء دورانه في دائرته حصلت هزة مفاجأة ومن بعدها سكنت حركته؛ كانت هذه الهزة هي عجلات السيارة التي توقفت لتنهي رحلة ذهابه إلى العمل !!!.

كيف نصنع الأمل؟

كيف نصنع الأمل؟


اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: كيف نصنع الأمل؟
تخيل إنسان لا يوجد بداخله أي أمل، هل ستجده يائس؟ أم ستراه غير سوي؟ هل تعتبره ضحية أم جاني؟ فالأمل هو الحافز الذي يدفع الإنسان ليسير في طريقه المستقيم، ولكن إن تم انتزاع الأمل منه، ماذا ستجد؟ لن يبقى إلا الألم.

تأمل المجرم الذي يسرق أو يقتل أو حتى ينتحر، ألم يفعل ذلك لأنه لم يجد أملا في حل مشاكله بطرق أخرى؟!! وتأمل الضحية التي تضع نفسها وحياتها داخل قارب متهالك بالكاد يعبر الترع ويريد أن يعبر به البحار الواسعة،  لماذا يفعل ذلك؟ أليس لأنه فقد الأمل في التعايش مع ظروف حياته الحالية؟!! وقد تجد نفسك تتساءل:  وهل وجد الأمل في هذا القارب المتواضع؟!! وهل سيجد الأمل في الشاطئ الآخر؟!!فهو لا يضمن الأمل في اختياره أو مخاطرته؛ هذا لأن فقدان الأمل في مكان ما ينتج عنه تواجد الأمل في مكان آخر حتى ولو كان اختياره الجديد أسوأ من المكان الميئوس منه.

والأمل دائما ما يتوافق ويتلائم مع الإيمان والهدف ؛ فالإنسان المؤمن وصاحب الهدف دائما عنده أمل، أما اليأس فمتوافق ومتلائم مع القنوط والإحساس بالظلم واختلال المعايير وضياع الهدف.

وفي واقعنا الحالي في مصر، وتحت وطأة الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الغير مستقرة، قد تجد نسبة من المجتمع – تتزايد أو تتناقص حجمها تبعا للظروف – تميل لفقدان الأمل، فالضغوط الاقتصادية وقلة فرص العمل تدفع الشباب للتعلق بآمال مضللِة، وغياب الأمن يزيد من حالة القلق والخوف والاضطراب داخل الناس، وهذه الأحاسيس لا تنتج أبدا إنسانا سويا، وكذلك الجرائم التي نسمع عنها حاليا تفوق الخيال في توقعها، ولا داعي لذكر أمثلة.

ولذلك دائما كان هدف الزعماء والساسة هو غرس الأمل داخل نفوس الشعوب؛ فالأمل يجعل صاحبه صابرا وراضيا رغم عدم تغير الواقع حوله، ولكنه يرى الأمل دائما في نهاية الطريق، فالأمل مرتبط دائما بالايجابيات ولكن اليأس فينتج السلبيات فقط.

ولكن إن تضاءل الأمل حولنا، كيف نصنعه؟!! فبداية الأمل هو الإيمان؛ الإيمان بالله أولا الذي هو الأمل والرجاء ومعطي الحياة، والإيمان بمشيئته وإنه يحكم الكون ويُسيره، وكذلك الإيمان وثقة الإنسان في إنسانيته؛ فمع أي ظروف صعبة يجب أن لا يتخلى الإنسان عن إنسانيته ومبادئه؛ لأن الإنسانية لها قدرها وقيمتها في أي زمان وفي أي مكان رغم أي ظروف أو ضغوط أو تحديات.

أزرع في إنسان أملا، وأنظر حجم الطاقة الايجابية التي ينتجها، أو انزعه منه، وأنظر كيف أصبح شبه إنسان.