Saturday, May 18, 2013

الدوائر المتقاطعة - قصة قصيرة



الدوائر المتقاطعة


فلما خرج في طريقه المعتاد إلى عمله الموجود في الضاحية الجديدة والبعيدة عن المدينة المزدحمة وبدأ يتخطى في طريقه المدينة بمبانيها الرمادية المتراصة - والتي يخترقها النيل بصفحته الزرقاء والتي عادة ما يتحول لونها للفضي اللامع في وقتي الشروق والغروب في فصل الخريف - إلى الطرق الزراعية ذات الأغلبية الخضراء، ثم الانتهاء بالطريق القاحل الذي يشق اصفرار الصحراء حتى يصل إلى العمران مرة أخرى، وهذا العمران الذي يملك طبيعة جديدة تختلف عن الطبائع الثلاث السابقة.

وفي الطريق، كان عادة ما يحاول أن يشغل وقته ليمر ولكن الوقت كان يتمرد عليه، فيحاول مداعبته فيستمر تمرده، فيضطر إلى قتله؛ فتارة يشغله بالنعاس الذي أحيانا يكون مصطنعا وأحيانا أخرى يكون عميق يملأه الأحلام، أو يداعبه بسماع موسيقاه المفضلة؛ فهذا صوت أصيل من عمق جبال لبنان يأتي برياح لطيفة تبرد طريقه الملتهب، وهذا صوت آخر حار من أقصى جبال النوبة يدفئ الساعات الباردة، ولما يتمرد الوقت على هذا أيضا يلجأ لقتله؛ فيقرأ رواية تنقله إلى واقع آخر وأبطال آخرون يتعايش معهم، أو كتاب يحمل فكرا جديدا يحرك مياه الأفكار الراكدة في عمق ذهنه، أو كتاب يمس روحياته ويذكره بإنسانيته.

ولكن وراء كل هذا كان يفكر وذهنه لا يهدأ حتى بعد تغطيته بجميع الأغلفة السابقة، فالطريق كما هو ولكن معالمه تتغير؛ فها هنا كانت ثورة لم تكن مفهومة في بدايتها ثم ناجحة بعد ذلك ولكنها أصبحت مشتتة فيما بعد، وهنا آثار تدمير وحريق لم يُرمَم بعد، وهذه قطرات دماء سائلة لم تجفف بعد، والعيون تنظرها بدموع تسير في طريقها المحفور على وجوه أصحابها حتى تتلاشى.

ولكن ماذا عن البشر؟!! كل إنسان يدور في دائرته بعدد لا متناهي من المرات ويلتقي ويتلامس مع الآخرين في نقطة واحدة لا أكثر؛ فهذا في العمل، وهذا في الطريق، وثالث على فكرة وآخر في مصلحة أو مكان، ودون هذه النقاط المتماسة لا يتواجدون.

فمتى تظهر مساحات متقاطعة بين الدوائر تنشأ مساحات مشتركة؟!! - رغم أن الاختلافات أكثر من المتفق عليه - ومتى تتشابك هذه الدوائر حتى تتحد وتتطابق؟!!

متى يخرج الإنسان من دائرته المفروضة عليه ويصبح كوكب يسلك في مسار يختاره بنفسه حول الشمس؟!! هل يجد يوما قمرا يؤمن به ويدور حوله ويسلك مساره؟!!

هذا وأثناء دورانه في دائرته حصلت هزة مفاجأة ومن بعدها سكنت حركته؛ كانت هذه الهزة هي عجلات السيارة التي توقفت لتنهي رحلة ذهابه إلى العمل !!!.

No comments:

Post a Comment