Wednesday, November 2, 2011

الجمال



الجمال جميعنا يعرفه ويتذوقه وكل أحد منا له فيه وجهة نظر خاصة، ولكن قد لا يعلم البعض عنه أن له علم خاص به يسمي "بعلم الجمال" وهو في أبسط معانيه هو العلم المتعلق بالإحساسات أي أن الجمال لا يشعر به إلا بتذوقه والإحساس به.

والجمال بطبيعته نسبي أي يختلف معاييره من مجتمع لآخر، ومن طبقة لأخرى، وحتى من فرد لآخر؛ لأن ما يراه أحد جميل قد يراه الآخر قبحاً، ولكن حتى أن اختلفت مقاييس وأشكال الجمال بين الأفراد والمجتمعات والشعوب المختلفة، ولكن أجتمع الجميع علي أن الجميل هو ما تجد العين راحة فيه، والقلب ميل إليه.

ورغم اختلاف الشعوب وطباعها ولكننا نجد حدود الجمال والقبح معروفة لحد ما، وهذا ما يدفع الإنسان لتذوق جماليات الآخرين المختلفين؛ وهذا لأن كل أشكال الجمال يربط بينهما رابط إنساني واحد، ويظهر الجمال جليا في فن وحضارة الشعوب؛ لأنهما هما المرآة التي ينعكس عليها هذا الجمال.

ولكن لماذا نجد أن بعض المجتمعات أو الأفراد تتأثر بذوقيات وجماليات مجتمعات أو أفراد آخرون؟ ولماذا نجد أنهم يفضلون ويستحسنون جماليات مجتمع أو فرد دون الآخر؟

السبب هو أن المجتمع أو الفرد الذي يتأثر بمجتمع أو فرد  آخر، عادة ما يجد في المؤثر شيء يفتقده أو يرنو إليه، فيلجأ إلي التشبه به ليقترب منه، وكذلك نجد أن الأكثر رفاهية عادة ما يكون مؤثر في الأقل رغدا في المعيشة؛ لأن هذه الراحة تعطي فرصة للجمال أن يظهر، وأيضا نجد أن من يعمل لدي أحد، قد يتأثر به؛ لأن من يعمل لدي أحد لا يأخذ منه راتبه فقط، ولكنه يشرب أيضا من كأس طباعه وذوقياته وجمالياته أيضا، وهذا ينطبق علي الشعوب أيضا، حتى ولو كان هذا المجتمع كان يملك في الماضي ذوق أرفع، فأنه يتخلي عنه إلي من يطعمه.

 أذا فمن المهم أن ينظر كل إنسان حوله ويبحث عن الجمال؛ لأن المجتمعات التي يقل بها الجمال تكون مجتمعات بائسة وتتهدم بها الأخلاقيات، و قد عبر شكسبير عن رأيه في من لا يتذوق الجمال المتمثل في الموسيقي في مسرحية تاجر البندقية قائلا:

كل أمريء خلت من الموسيقى نفسـه
ولا يحركه العذب من النغــم
خليق بالخيانات ، والمكايد، والغدر بضروبه
حركات روحـه بليدة كالليل
وعواطفه مظلمة كالجحيم
إياكم والثقة في إنسان كهذا ..


إضافة


الصدام بسبب (الجمال):
لماذا يحدث صدام بين العقليات المختلفة من جهة والمتخلفة من جهة أخرى بسبب الفن أو الجمال؟
ببساطة لأنهم يرون الفن بعيونهم الغير مُدربة عليه ولا متفهمة له فيطبقون عليه معاييرهم؛ فيخرجون منه ما لم يقصده، وكأنك تطبق قانون الجاذبية الأرضية على كوكب المريخ.

ولكن هل توجد فنون لا تناسب ثقافتنا المحلية؟

مثلا فن مثل فن (الباليه) تجد أن يشاهده هو من يفهمه، فهل رأيت يوما عامل في ورشة ذو ثقافة محدودة أو منعدمة ذهب في يوم اجازته للأوبرا مرتديا بدلة كاملة ليرى (باليه بحيرة البجع) وخرج بعد ذلك وهو في قمة النشوة والسعادة؟!!

 لم يحدث، ولكنه قد يذهب للسينما لمشاهدة فيلم (شارع الهرم) ذو الايرادات العالية أو (عبده موتة)، فبالمقارنة بين نوعين الفن السابقين، هل ينبغي أن يمنع ذلك ويترك تلك؟!!!

وكذلك الحجة أن هذا الفن الراقي قد يغرر بالبسطاء في غير محلها؛ لأن البسطاء يقبلون على مهرجاناتهم الشعبية لـ (أوكا وأورتيجا) أما هذا الفن فهو متنفس للمخنوقين من الزحام والعشوائية والقبح المحيط بنا، فلا يوجد مبرر لخنق الفن الجميل؛ لأن هذا سيجعل القبح يتمكن ويخنق آخر مظهر للجمال.


 ومن الناحية الأخرى، هل رأيت يوما أحد جمهور الأوبرا خرج بعد حفلة لـ (عمر خيرت) وقام بجريمة بشعة؟!!! لن يحدث لأن الفن دوره إخراج الطاقة السلبية الموجودة في الإنسان، ففي الأرجنتين مثلا اكتشفوا أن الحالة النفسية للشعب في تحسن مستمر لأنهم بعد يوم العمل يقومون جميعا برقص (التانجو) فيتخلصون من كل آثار التعب والضغط لليوم كله، وهذا مثال فقط ومع اختلاف الثقافات يمكننا البحث عما يناسبنا لنطبقه.

ماذا سنتعلم من الفنون هذه؟

ببساطة من السهل أن تتعامل مع مَن يتذوق الفنون؛ لأنه تعلم من فنونه أن أول مبادئ التواصل مع الاخرين هو رؤية الأمور بعيونهم؛ فلن يصدر أحكاما مسبقة ولن يقول لك أن لهذه العملة وجه واحد والآخر لا يعترف به، فالمتذوق للفنون هو الإنسان المؤهل للتلاقي من الاخرين، وهو من يستطيع أن يقتنع ويعترف بخطأه ومن ثم تغيير مساره بمرونة.

فالمتذوق للفنون هو الإنسان المؤهل لقبول الاختلاف والإبداع والتفاعل مع الآخرين واجتياز الفشل للنجاح.

No comments:

Post a Comment