تختلف بواطن الأمور عن ظاهرها – وهذا بديهي – فها نحن نسير علي الأرض ونظنها صلبة أو باردة تكسوها الثلوج والمياه الباردة، ولكن في الحقيقة أن باطنها يلتهب ودائم الغليان؛ فنحن نسير علي ظاهرها غير مهتمين بما يدور في باطنها.
وهكذا الانسان نتعامل مع ظاهره ولكننا لا نري ما في باطنه إلا ما يظهره بإرادته أو يظهر منه بغير قصد، ونظل نراقب تصرفات الآخرين لكي نستنتج مما يظهر منها ما هو خفي؛ ولأن هذه طريقة مرهقة وقد لا تنجح دائما، ثارت الشكوك بين الناس بعضهم البعض وصاروا متربصين لبعضهم البعض.
فالسؤال الآن: هل يجب تقصي حقيقة ما بداخل الأنسان قبل أن أتعامل معه؟
بالطبع لا؛ لأن التعامل بين الناس يكون من خلال المساحة المشتركة التي يلتقون فيها، وتتمدد أو تنكمش هذه المساحة تبعا لطبيعة العلاقة إن كانت سطحية أم عميقة.
ولكن الأهم أن يعرف كل إنسان ذاته ويحدد مبادئه حتي يتعامل من خلالها مع الآخرين؛ ومَنْ يلتقي معه في مبادئه داخل هذه المساحة المشتركة، يتفق معه.
فإذا كان هذا هو الحال، فلماذا يعتمد مجتمعنا علي الظاهرية في كل شيئ؟ لماذا نري حولنا مَنْ ينظرون لقشور الانسان دون التعمق في ما بداخله؟ فهذه الظواهر قد تدل عن بعض ما بداخله وقد لا تدل، والأكثر من ذلك أنه في بعض الأحيان قد تخدعنا حواسنا فلا ننظر أو نسمع إلا ما نريد.
لماذا نفرض علي التقوي مظهر معين دون غيره؟ ولماذا لا نريد أن نلتزم بالبعد عما حرمه الله إلا لو كُتب في دستور؟ ألا يكفي أن يكون مكتوب في الصدور؟
إن كان الحكم بالمظاهر، فقد سهلنا التلون علي كل منافق.
No comments:
Post a Comment