Sunday, December 2, 2012

ملاحظات على مستودة الدستور

ملاحظات على مستودة الدستور


اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: ملاحظات على مسودة الدستور





في البداية يجب أن نتذكر أن الدستور وثيقة للشعب جميعه لا يتسق معه مبدأ المغالبة أو المسارعة (من التسرع) ويجب أن يمثل فيه بجميع طوائفه، والدستور هو مجموعة من المبادئ العامة التي تشكل العقد الاجتماعي للمجتمع كله ولا ينحصر في وقت أو ظروف معينة؛ أي أنه يجب أن يصاغ بطريقة تتفق مع جميع العصور حتى يضمن بقاءه.

فبعيدا عن إجراءات تشكيل اللجنة التأسيسية التي تشوبها البطلان وطريقة إدارتها أو من الأفضل أن نسميها "قيادتها" حيث دفعت هذه اللجنة في مسار محدد، وكذلك انسحاب عديد من ممثلين الشعب المصري منها، ورغم ذلك تم تجاهل انسحابهم، أريد أن أسجل هذه الملاحظات بعين القارئ البسيط الغير متخصص دستوريا أو قانونيا:

فمن ناحية الصياغة، نجد أن نصوص الدستور مختلطة بنصوص يجب أن تصدر في قوانين وليس محلها الدساتير، فتشعر أن الدستور يقوم بعمله وعمل القانون معا؛ فتجد في نهاية كثير من المواد عبارة "في حدود القانون" أو "كما ينظمه القانون" مما يضعف من نصوص الدستور حيث أن الدستور هو أبو القوانين، وإن كان رد المستشار حسام الغرياني على ذلك: بأننا بذلك ندعو المشرع لإصدار قوانين لهذا الأمر، فالرد: إن المشرع طبيعي أن يلجأ للدستور وأن من واجبه أن يدرك احتياجه للتشريع دون دعوة احد إليه!

تظهر الصبغة الدينية للدستور وبالتالي للدولة من المادة الثالثة التي أعطت المصريين المسيحيين واليهود حرية الاحتكام لشرائعهم في أحوالهم الشخصية مع عدم مساس المادة الثانية، وفي المقابل تم إعطاء الأزهر الشريف مهمة تحديد مبادئ الشريعة الإسلامية التي تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة كما حددتها المادة 219، وبالتالي لم يصبح المرجعية لبلادنا الدستور والقانون فقط، ولكن لهيئة دينية أخرى والعمل بمبدأ جديد وهو تمكين رجال الدين من التحكيم استنادا لأي فتوى قد لا تعبر عن روح العصر، وهذا من ملامح الدولة الدينية، وكذلك لم يتم منه تكوين الجماعات والأحزاب على أساس ديني أو جغرافي.

وقد تم إدخال كلمات لا نعرف كيف ستستخدم في المستقبل مثل "تعريب التعليم والعلوم والمعارف" و"يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى" حيث أن الديمقراطية تحمل في داخلها مبدأ الشورى أو الاستشارة.

أما بخصوص مجلس الشورى، فقد تم إضافة المهام التشريعية له رغم إنه اسمه "مجلس الشورى" ومن الغريب إنه لم تذكر صفته التشريعية هذه في الجزء المخصص له بشكل صريح ولكن تم ذكر هذا بين نصوص مجلس النواب، وهذا سينتج ازدواجية في التشريع حيث سيقترح التشريعات مجلسان وليس مجلس واحدا يحيل كل مجلس قراراته للآخر للموافقة عليه، رغم الدعوة لإلغاء مجلس الشورى حيث أنه يعتبر عبأ على الدولة، ويبدو إن هذا سببه الوحيد هو تحصين المجلس الحالي كما ورد في المادة 230 وهذه المادة بنصها هذا ليس مكانها الدستور ولكن القانون.

وكذلك تم وضع المبدأ الذي بسببه تم حل مجلس الشعب كمادة دستورية (رقم 231) رغم إن مجلس الشعب تم حله لانعدام تكافؤ الفرص، أي أن هذه المادة غير دستورية.

أما عن صلاحيات الرئيس، فله الحق في تعيين جميع الموظفين العموميين من المدنيين والعسكريين وكل رؤساء الأجهزة الرقابية ورؤساء المحاكم ولا يوجد نص لتعيين نائب الرئيس؛ أي لم تقلص صلاحياته.

وهذه كلها تعتبر ملاحظات أولية دون التطرق للمطالب التي حلم بها أطياف الشعب المصري كالنقابات والمرأة والإعلام والقضاء، وكذلك عدم ضمان جميع الحقوق والحريات إلا بما لا يتعارض مع الأحكام الأساسية للدولة والمجتمع (مادة 75)، مما يفتح باب إلغاء مرجعية الدستور وفتح الباب للآراء الفقهية في ظل المادة 219.

فنحن نحلم بدستور يعبر عن آمالنا وأحلامنا وليس عن جزء منها أو أشباه لها وهذا يتطلب مزيد من الوقت والمناقشات والتنوع في تشكيل اللجنة ذاتها.

 

Saturday, November 17, 2012

مسلوق X مسلوق

مسلوق X مسلوق




اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: مسلوق في مسلوق
لما تكون عيان، دايما ينصحوك تأكل مسلوق؛ لأنه خفيف على المعدة، و"السلق" هو إنك تحط كل الحاجات على بعض (اللحمة أو الفراخ والملح والفلفل) في مية وتسخنهم مع بعض لغاية ما يوصلوا لدرجة الغليان، فتأخد المية من اللحوم دسامتها، وتأخد اللحمة من المية الطراوة.

طيب لما المسلوق حلو وسهل كدة، ليه الناس مبتحبهوش ومتضايقة منه؟ يمكن عشان المسلوق بيفكرهم بالمرض وإحنا طبعا شعب مجروح ومريض - زي ما قال عصام شرف - ولا لأن طعمه بيبقى مايع، وكمان المسلوق مرتبط دايما بالسرعة أو التسرع أو زي ما بيقول سواقين الميكروباص والتوك توك: "الإنجاز على البوتجاز"
ولا ننسى أن نقول لهم: "إنكم جميعا في قلوبنا".

يعني فيها إيه لما نسلق "الدستور" مثلا؟ لأنه أصلا حاجة معقدة، فنخلصه ونخلص معاه من المرحلة دي، ولما تسأل: طيب والمستقبل؟ والأساس اللي المفروض البلد تتبني عليه؟ يقولك: ما أنت طول عمرك كنت عايش وأنت مش عارف إيه هو الدستور أصلا؟ 


فعلا شعبنا مكانش بيعرف الدستور إلا لما يدخل على حد غريب فيقول: "دستووور" ولما سمعنا إنه اتعدل سنة 2007 ولكن ده مش مبرر عشان نسلقه.


والدستور طول عمره كان عامل زي اللحمة؛ بنسمع عنه في المواسم، ومحدش عارفه ولاعارف طعمه إلا "الطباخين"
بتوعه، وهما مكانوش طباخين أوي؛ ولكنهم كانوا طباخين بدرجة "ترزية" بيعرفوا "يقيفوه" كويس حسب هواهم، فليه دلوقتي عايزين نسلمه لترزية جداد يسلقوه؟ والترزية الجداد حتى مطلعوش طباخين، طلعوا جزارين.

لكن إيه رأيكم كدة في دستور مشوي على نار هادية وريحته مفحفحة؟ مش أحسن؟

ولكن أنا شايف إن إحنا كمان بنكره المسلوق؛ عشان إحنا مسلوقين في كل حاجة وبما فيه الكفاية، مسلوقين في الصراعات السياسية وحلالها وحرامها، فالسياسة كانت حرام وبقت حلال وبعد كدة أصبح فيها تحليل وتحريم بفتاوي مختلفة، وأصبح المختلف في الرأي السياسي هو الكافر
.

وعشان إحنا مسلوقين بقينا منزوعين الدسم مش عارفين أصلا هويتنا وكل يوم يتبرع حد ويعرفنا عليها ويلبسها ثوب مختلف عن اللي احنا عارفينه عن نفسنا وعادة بيكون نفس الثوب اللي بيلبسه.


ده على مستوى المواطن اللي عايز يفكر وبيحاول يفكر، ولكن المواطن الداير في
الساقية فبيتسلق كل يوم؛ مسلوق في الطريق لغاية ما يروح الشغل، وبيتسلق في طابور العيش، وبيتسلق في الشغل لغاية ما يقبض أول الشهر، وبيتسلق في غلاء الأسعار كل يوم، ولو فكر يسافر مبيتسلقش في القطر، ولكنه بيتشوي أو يتفرم.

كفاية سلق بقى، نفسنا نشوف الشوي أو حتى نشم ريحته.


رابط موقع "اليوم السابع":
http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=852687&SecID=190 

Saturday, November 10, 2012

حجب مواقع الأنترنت


تخشى مدونتي أن تحجب يوما ما بحجة إنها تحتوي على 
محتويات إباحية أو تهدد السلام والأمن المجتمعي
!!!


Friday, October 26, 2012

لقمة العيش وخريف العمر

لقمة العيش وخريف العمر


اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: خريف العمر - قصة



 اعتدت أن أخرج من منزلي مبكرا قبل سطوع نور الشمس مثقلا بملابسي الشتوية وبأفكاري المعتادة عن يومي في العمل والضغط الذي سأراه في يومي، ثم تتطور أفكاري لتتطرق إلى طموحي ومستقبلي في العمل، وهل سأنتقل إلى موقع أعلى قريبا؟ أم أن الطريق مازال طويلا؟ وعادة ما تقلل هذه الأفكار من جديتي وتثبط من عزمي، فتتثاقل خطواتي أكثر لينحرف بي التفكير إلى الحلم والرغبة في الحصول على عمل أفضل براتب أعلى مع قلة في المجهود الذي أبذله بالتأكيد، وما يشجعني على هذا التفكير هو ضياء النهار الخافت في هذا اليوم نتيجة تغطية السحاب لصفحة السماء، فنحن في يوم من أيام الشتاء البارد.

ولكن في ذلك اليوم استوقفني ذلك المشهد وغير من تفكيري تماما؛ حيث رأيت امراة عجوز قصيرة القامة جاوزت الخامسة والستين من عمرها - هذا العمرالتي يطلق عليه أرذله - ترتدي ثوب بسيط من قماش خفيف وبجانبها دلو مملوء بالماء البارد وتمسك بقطعة قماش تبللها لتغسل تلك السيارة العالية ذات الدفع الرباعي، ولكن قامتها لا تسمح لها بالوصول إلى سطحها فتضطر أن تقفز قفزات متتالية لعلها تنجح في مهمتها.

فشعرت أن الماء البارد الذي بدلوها لا ينسكب على سطح السيارة بل على رأسي أنا؛ لأن ما يدفع مثل هذه المراة لهذا العناء هو بالطبع "لقمة العيش" ولكن أين حقها في الراحة والاعتناء بصحتها في خريف عمرها؟!! وهل سيقدر صاحب السيارة الفارهة العالية شقاؤها لكي تنظف له سيارته؟!! أم أنه سيكتفي باعطاءها القليل من الجنيهات على سبيل الاحسان؟!! وهل ستنعم بالراحة بعد مهمتها الشاقة؟!! أم إنها ستكمل شقاء يومها بنفس الوتيرة؟!!

رغم قساوة المشهد ولكني رأيت في نشاطها وجديتها شباب قابع في داخلها؛ فمن الشائع الآن أن ارى عجائز بمظهر الشباب، ولكن من الغريب أن ترى شباب بمظهر العجائز.

لم أستطع أن أقف أمامها أكثر من 30 ثانية لأتابع حجم النشاط الذي بذلته في تلك الفترة البسيطة، ولكن كان علي أن أكمل خطواتي في نفس طريقي ولكن هل ستدور في بالي نفس أفكاري؟!! 
اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: خريف العمر - قصة
 

Friday, October 5, 2012

الصفقة

الصفقة !!!

اليوم السابع | نبيل ناجي يكتب: الصفقة - قصيدة
جلسوا عندما تقابلوا ...
بشفهاهم يبتسمون ...
وفي قلبهم يضمرون  !!! ...
ما لا يعرفون  ... عن الآخر !
من هو؟ ... من يكون؟!!
فقد التقوا لإتمام صفقة.

كلا يريد أن يتم صفقة ...
بمباغتة الآخر بصفعة ...
لعله يكون الأقوى.

رفضوا خلع معاطفهم  ...
لئلا تدل على تنازلهم ...
جلسوا مُكبلين ...
وبفحص بعضهم منهمكين ...
يتربص كل أحد بالآخر:
كلماته !
نظراته !
حركاته !
انفعالاته !

ينظر كل أحد للآخر ...
كنظرته لفضاء شاسع ...
بحار !
أشجار !
أو حتى سماء مُكحلة بقمر لامع !
لكن من خلال نافذة كهف قابع ...
في حضن جبل قاحل مانع ...
لايحلقون بأنظارهم ...
ولا يتجولون بأسماعهم ...
إلا من خلال نافذة مخبأهم.

ويلومون الطيور على اختراق السماء بحرية ...
والأنهار عندما تصب في قلب البحار دون روية ...
والشجرة الوحيد في وسط البرية.

تذوب الشمعة لتنير الطريق ولا تندم ...
ويخفق القلب مع دقات الساعة ولا يعلم ...
إن الشمعة تفنى، والقلب ستتوقف أنهاره ...
ولكنهم لا يدخرون أنفسهم ... 
وغايتهم توصيل رسالتهم ... 
تجاربهم تصقلهم ...
ولا تثقلهم ...
بل تزيدهم خفة ...
لأنها ليست صفقة.

الكنوز دائما مدفونة ...
وتبقى بلا نفع إن ظلت كذلك ...
وإن وجدت ...
قد تتبدد ...
ولكنها قد أدت ... 
دورها.

فلما قاموا من مجلسهم ...
تبددت من أذهانهم وتاهت معاني:
المصلحة !
المنفعة !
والصفقة.

Monday, September 17, 2012

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: كيف نخرج من هذه الدوامة؟

كيف نخرج من هذه الدوامة؟

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: كيف نخرج من هذه الدوامة؟





أصبحنا كمواطنين مصريين فى حالتين من الحيرة والانزعاج المستمرين، فقد أصبحنا ندور فى حلقات متكررة؛ بدءًا من المعاناة من نقص بعض المواد الأساسية مثل الوقود، فعندما نتخطاها نجد أنفسنا أمام ارتفاع جديد فى أسعار الغذاء، ثم نصطدم بمشاكل طائفية، ثم نرجع لننشغل بمشكلة اقتصادية أخرى، حتى نُفاجأ بازدراء للمقدسات الدينية يتم الرد عليه بتصعيد يؤدى للعنف حتى نواجه مشكلة اقتصادية أخرى، وتستمر الحلقات فى تكرارها، ونحن داخلها ندور ونحاول الخروج من دوامتها.

وما يزيد ذلك أننا أصبحنا أكثر تأثرًا بما يدور حولنا فى العالم وبشكل أسرع؛ وذلك بسبب تقدم وسائل الاتصالات، فقد أصبح العالم كله يجلس فى غرفة واحدة من خلال شبكة الإنترنت، ولكن كيف نخرج من دوامة هذه الدائرة؟

رغم أن هذه الحلقات معادة ومتكررة فإنه فى كل مرة تتكرر ردود الأفعال نفسها، وهذا يعطى فرصة للمتربصين بمقدرات بلادنا ومجتمعاتنا لاختلاق وتدبير مثل هذه المشاكل؛ لأنهم يضمنون سلفًا حدوث ردود الأفعال هذه نفسها، وهذا يؤدى لنجاح السيناريو المعد مسبقًا للاحتقان والعنف، ليتم من خلاله انشغالنا عن النظر للأمام والعمل والتقدم.

لذا فالحل الوحيد للخروج من دوامة هذه الحلقات المفرغة المتكررة هو تغيير ردود أفعالنا؛ لكى لا تكون فرصة لاصطيادنا من خلالها، فالإساءة يحب ألاَّ تقابل بالإساءة – وهذا ما نصت عليه جميع الأديان السماوية – والإهانة يجب عدم التصعيد عليها بالعنف، والمشاكل الاقتصادية يجب ألاَّ يرد عليها بالإضرابات عن العمل.

فلن تتغير الأحداث إن لم تتغير ردود الأفعال؛ لأن ردود الأفعال نفسها هى سبب تكرار الأحداث نفسها.


Tuesday, August 21, 2012

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: العذراء مريم التى أحبها الجميع

العذراء مريم التى أحبها الجميع


اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: العذراء مريم التى أحبها الجميع




يتزامن فى هذا العام احتفالين يجتمع كل شعب مصر على الاحتفال بهما، وهم عيد الفطر المبارك وعيد السيدة العذراء مريم مما يجعل الجميع فى حالة احتفال، والسيدة العذراء يتفق على تبجيلها وتقديرها الجميع من شعب مصر بمسلميه ومسيحييه، فنجد أن جميع المصريين يحرصون ويفرحون بتسمية بناتهم باسم العذراء مريم، مما يعد مظهرا رائعا من مظاهر الاتفاق والاتحاد، فالعذراء مريم هى السيدة التى اختيرت واصطفيت من بين نساء العالمين لكى تحمل السيد المسيح فى أحشائها مع دوام طهارتها وبتوليتها.

وإن تأملنا حياة السيدة العذراء مريم نجد إنها لم تكن مترفة النشأة ولا مرفهة الحياة ولازمت البساطة حياتها بشكل دائم، وبهذا تعطينا بحياتها المثال والقدوة فى الالتزام والصبر وتحمل الأمانة، فلم يكن من السهل على فتاة مثلها أن توجد حبلى دون زرع بشر واحتمال ذلك إلا بالاستناد على الإيمان بالله والصبر، فحياتها رسالة طمأنينة للمتعبين والمثقلين بهمومهم إن فى الصبر والاحتمال تطهير وإعلاء للنفس.


ولم تتوقف متاعبها بولادة السيد المسيح ولم يتوقف أيضا احتمالها وصبرها، فقد اضطرت أن تهرب بطفلها الوليد إلى أرض مصر هربا من طغيان حكام بلادها، وبذلك تباركت بلادنا وتشرفت بقدوم السيد المسيح مع أمه العذراء مريم.


لذلك نجد أن كثيرين من المسلمين والمسيحيين يطلبونها فى محنهم وشدائدهم؛ لأنها احتملت الكثير فى حياتها فأصبحت قريبة من المتعبين فى همومهم، فسيرة العذراء مريم العطرة توحد الجميع على احترامها وتقديرها فصارت حمامة سلام ترفرف بجناحيها على أرض مصر.
 

Wednesday, August 8, 2012

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: قميص دهشور المحترق

قميص دهشور المحترق


قد تضحك عندما تعرف أن سبب الصدامات الطائفية فى قرية "دهشور" هو قميص محترق على يد مكوجى، وهذا يذكرنا بكلمات "السادات" متحدثا عن أحداث الزاوية الحمراء فى سبعينيات القرن السابق عندما قال: "غسيل فى بلكونة مواطن نقط على غسيل فى بلكونة مواطن آخر، فهذا يصوره المغرضون بأنه يوجد فتنة طائفية فى مصر".

ولكن ليست المشكلة فى القميص المحترق أو قطرات الغسيل، ولكن المشكلة فى العقلية التى تتسم بالحساسية الشديدة تجاه الآخر المختلف ودائما ما تزن أفعاله حسب تصنيفه، فإن أخطأ أحد، فقد أخطأ الجميع، وإن تضرر أحد فقد تضرر الجميع.

فمبدأ الخطأ الجماعى والعقاب الجماعى هو الذى نتج عنه هذا الصدام الدموى فى القرية، ومحاولة مهاجمة كنيسة القرية وخوف أهاليها من الأقباط مما دفعهم للفرار، ولك أن تسأل: كم هو ثمن هذا القميص الذى سبب قتل وحرق وتكسير وتهجير؟ ولكن الأولى أن نسأل: كيف نعالج هذا الفكر والسلوك الذى جعل من مشاجرة على قميص محترق تنتهى بقتل إنسان؟ وهل كان من الصعب الاعتراف بالخطأ ودفع ثمنه؟

وإن كان هذا يحدث فى قرية نائية، فهل يحدث مثله فى مصر على نطاق أوسع؟ وعندها نتحدث عن القشة التى قصمت ظهر البعير، والتى قد يتعلق بها غريق، فحساسيات المجتمع العميقة يجب أن تعالج لكى يُقوّم سلوكه وتتحصن تصرفاته.

ولنا أن نتذكر أن السبب المباشر للاحتلال البريطانى لمصر كان بسبب عدم دفع أجنبى لأجرة الحنطور فى الإسكندرية، وتم ذلك بحجة حماية الأقليات فى مصر، ورغم أن هذا المثال قديم جدا، ولكن الواقع الحالى يدق لنا جرس الإنذار ويدعونا للتذكر، ولذلك علينا أن نتعقل ونعرف ونحلل أفكار وتصرفات المجتمع والعمل على تقويمها ولا نكتفى بالمعالجة الأمنية وترك النار تحت الرماد.

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: قميص دهشور المحترق

Sunday, July 8, 2012

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: التوازن بين دولة الشعب ودولة القانون

التوازن بين دولة الشعب ودولة القانون

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: التوازن بين دولة الشعب ودولة القانون
 "الشعب مصدر السلطات" مبدأ ترسخ بعد ثورة 25 يناير، وبعد انتخاب أول رئيس مدنى، فأصبح الشعب هوالمحرك الرئيسى لكل الأحداث ولكننا نجد من الناحية الأخرى أن مؤسسات الدولة يجب أن تقوم بواجباتها تجاه المواطن وتحقيق آماله وطموحاته، وعلى كل من الشعب والمؤسسات أن يلتزم بالقوانين والمسارات النظامية للوصول إلى الهدف المرجو، لذا يجب أن تتحد إرادة الشعب وإرادة المؤسسات على مصلحة المواطن.

لذلك من العجيب أن نرى أن البعض يطالب بحلول سياسية – لا تتفق عادة مع القوانين – لتأويل بعض المواقف حتى تتسق مع الضغط الشعبي، وذلك يتطلب التدخل من رأس النظام الذى هو رئيس الجمهورية كما كان يحدث فى الماضى، فتظل القضايا التى تصل لرئيس الجمهورية ويهتم بها هى التى تجد حلا والأمور التى لا تصل إليه تظل على حالها حتى لو كانت أكثر أهمية، وفى هذه الحالة تظل دولة القوانين معطلة ويحل محلها الدولة الاستثنائية، وكذلك تكون الحلول استثنائية دون تحسن فى الحياة العامة للمواطن.
ولكى نحيا فى دولة القانون يجب أن تُحتَرم هذه القوانين من جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن تكون القوانين هى الفاصلة فى جميع الأمور، وهذا يزيد من وعى الشعب وثقافته حتى عندما يطالب بحقوقه سيراعى أن تكون قانونية، فالشعب يجب أن يكون مصدر السلطات لكن تحت مظلة القانون.
اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: التوازن بين دولة الشعب ودولة القانون

Friday, June 29, 2012

أسئلة عن الولايات العربية المتحدة

أسئلة عن الولايات العربية المتحدة

 من حين لآخر يصل إلى مسامعنا تصريحات بشأن إحياء الخلافة الإسلامية أو تكوين الولايات العربية المتحدة على أن تكون عاصمتها القدس، وقد بدأت بتصريحات مرشد الأخوان المسلمين: "بأننا نقترب من أستاذية العالم وعودة الخلافة الإسلامية والحكم الرشيد"، وقد أعقب ذلك تصحيح من المتحدث الرسمي باسم الجماعة: "بأن هذا سيحدث بعد مئات السنين" – فكيف اقترب تحقيق هذا إذا؟!!

ثم أعلن صفوت حجازي في ميدان التحرير: "تكوين الولايات العربية المتحدة وعاصمتها القدس"!! – دون شرح أي تفاصيل !!

وأنا هنا لست بصدد مناقشة الفكر أو الحلم نفسه لأن لكل فرد أو جماعة الحرية التامة في صياغة أفكارها وأحلامها ولكني بصدد مناقشة كيفية تنفيذ هذا المشروع معتمدا على التجارب التي حدثت في التاريخ القديم والحديث؛ وذلك لأن أصحاب المشروع لم يقدموا لنا حتى الآن أي تفاصيل أو منهج لذلك.

ولأننا لا نختلف على أن في الاتحاد قوة، ولكننا علينا أن نفكر في كيفية تحقيق هذا الاتحاد، وكما يبدو أن هذا الاتحاد سيكون على أساس ديني مما يرجعنا مرة أخرى لفكرة الدولة الدينية، والتي يتم التعامل فيها مع الأشياء النسبية مثل أمور السياسة والقانون وظروف الحياة بثوابت ومبادئ مطلقة وهي أحكام الدين مما ينتج تفسيرات للمبادئ الدينية وتشكيلها لتتناسب مع هذا الأمور النسبية، أو بجعل الأمور النسبية السياسية والاقتصادية منها تخضع لقواعد مطلقة دينية، وكذلك هذا يضعنا في إشكالية ما هو الفقه الذي سننتهجه في الحكم بالشكل الديني وما هوية الحاكم، وفي كل الأحوال هذا ينتج اختلال للمعايير وتنحية العلم جانبا ووقف حرية الإبداع الذي يتطلب الحرية للخروج من القوالب الثابتة، وهذا ليس معناه خرق كل المبادئ والأعراف ولكن الإيمان بالتطور والتغيير.

وعادة ما يتم اختزال فكرة الدولة الدينية في نموذجها الذي حدث في أوروبا في العصور الوسطى حين تحكمت الكنيسة في أمور السياسة وان هذا لا وجود له هنا، ولكن هذه النظرة الضيقة لا تتفق مع حقيقة أن إمبراطوريات الخلافة كلها الأموية منها والعباسية والفاطمية حتى العثمانية كانت شكل من أشكال الدولة الدينية، ويكفي أن نتصفح تاريخ هذه الحقب وما صاحبها من صراعات دموية على الحكم وظلم لرعاياها حسب هوى الحاكم حتى نعرف أن هذه البلدان ظلت تحت ثقل هوى الحكام وبعيد عن التطور الذي يحدث في العالم حتى أصبحت فريسة للاحتلال حتى أنهى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية في تركيا وبدأ في بناء دولته الحديثة على أساس وطني كما حاول أن يفعل محمد علي في مصر.

وتوحيد البلدان والأقطار المختلفة له طريقتان في التاريخ:
الطريقة الأولى وهي الغزو أو الفتح، وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي حتى حرر القدس، واعتقد أن هذه الطريقة غير مطروحة وغير مقبولة وإلا كان علينا أن نعتبر غزو صدام حسين للكويت خطوة على هذا الطريق، وأما الطريقة الثانية وهي التفاهمات والاتفاقات السياسية، وهذا ما حاول أن يفعله جمال عبد الناصر بعد فشل الجيوش العربية في هزيمة إسرائيل في فلسطين سنة 1948 ولكن هذا المشروع لم يكتمل لعدم وجود منهج علمي أو أساس واقعي قوي له.

ولعل الاتحاد الأوروبي أبرز مثال لفكرة الاتحاد في العصر الحديث، ولكن علينا أن ندرك أن هذا الاتحاد لم يقم يوما على أساس الإخضاع العسكري أو من خلال سيطرة بلد على أخرى ولكنه بدأ كتكامل اقتصادي متدرج ومصالح مشتركة؛ ولذلك نجد أن القاسم المشترك بين هذه الدول هو العملة (اليورو) بدليل فشل مشروع الدستور الأوروبي الموحد بعد رفضه في الاستفتاء الشعبي في فرنسا وهولندا مما أوقف الاستفتاء عليه في باقي الدول، ورغم أن هذا الاتحاد كان على أساس منهجي مدروس واجه بعض المشاكل التي تهدد بانهياره مثل الأزمة الاقتصادية في اليونان وثقل التكافل الذي يجب أن تقدمه بعض الدول الغنية مثل ألمانيا للدول الفقيرة، مما دفعها لتوجيه رسالة لليونان قائلة: "عليكم أن تتوقفوا عن طلب المساعدة بشكل دائم.

أما الطريقة التي قد يلجأ إليها أصحاب هذا المشروع هو التغلغل في الشعوب العربية للوصول للحكم، فحكم الإخوان المسلمين في مصر، وتونس، وفلسطين، والسودان، ومن المنتظر في سوريا هو أول خطوات هذا المشروع الذي لا نعرف أي تفاصيل عنه أو أي منهج له، ولا نعرف أيضا كيف سيقتنع الدول النفطية الخليجية الغنية بتفكيك القواعد الحربية الأجنبية على أراضيهم أو تخليص بحارهم من الأساطيل الأجنبية دون صدامات عسكرية؟ وكيف سوف يقتنعوا بفكرة التكامل والتكافل مع دول أفقر مثل السودان والصومال وموريتانيا؟

ولكن بنظرة بسيطة للدول المحيطة بنا التي تفضل هذا المشروع، نجد أن في فلسطين شبه حرب أهلية بين فتح وحماس وأصبح الصراع والقتال مستمر بينهم وتسعى الدول الأخرى للصلح بينهم، وعندنا السودان وقد أصبحت سودانين؛ لأن القبائل التي من أصل أفريقي لم تجد لنفسها مكان داخل هذا الكيان، وخطوات تونس تتعثر في طريق الاستقرار والتقدم، وأما الدول المتعثرة فلم تقم من عثرتها مثل الصومال واليمن.

ويشهد التاريخ أن أضعف وأبهت عصور مصر عندما كانت ولاية فرعية وليست مركزا؛ لأن العاصمة دائما ما تحرص على استنزاف الولايات الأخرى لتنمية مركزها، و لك أن تقارن بين وضع مصر تحت ثقل الخلافة العثمانية ووضعها في عصر المماليك أو محمد علي أو حتى علي بك الكبير.

إن ضبابية الأفكار وعدم وضوح المناهج هو ما دفعني لوضع هذا التصور وننتظر مزيد من التوضيح في الأيام القادمة.

Friday, June 15, 2012

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: ديمقراطية الخوف

اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: ديمقراطية الخوف
اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: ديمقراطية الخوف
ونحن على بعد أيام من جولة الإعادة لأول انتخابات رئاسية حقيقية نجد أنفسنا قد زادت الحيرة والتفكير لدينا، ويتلخصان فى سؤالين اثنين: هل الثورة حققت أهدافها؟ وهل المرشحان اللذان وصلا للإعادة هما نتيجة طبيعية للثورة؟

فرغم وجود 13 مرشحًا تنافسوا فى المرحلة الأولى فقد صعد للإعادة المرشحان اللذان يمثلان المؤسستين؛ فالفريق أحمد شفيق بخلفيته العسكرية يعبر عن فكر المؤسسة العسكرية، ود. محمد مرسى يمثل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها، وقد استَبعد مرشحو الثورة أنفسهم عندما لم يتحدوا معًا دافعين أحدهم للمقدمة.


أما عن الناخب المصرى – وأقصد الناخب الذى يختار عن اقتناع – وهو يخطو أول خطوات الديمقراطية فقد زادت حيرته لاختيار مرشحه من بين المرشحين الثلاثة عشر، بعكس ما نرى فى الدول ذات الديمقراطيات الراسخة، حيث يصل متنافسان اثنان فقط لانتخابات الرئاسة، ولا يحسم أحدهما السباق إلا بعد الإعادة، وهذا يرجع لقوة الأحزاب السياسية فى هذه الدول، ولكن الناخب المصرى، وخصوصًا فى جولة الإعادة، نجده يختار مرشحه لخوفه من نجاح المرشح الآخر، فلم يتوقع المصريون بعد ثورة الشباب فى 25 يناير أن يقترب هذان المرشحان من تقلد منصب رئيس الجمهورية، ولم يتوقعوا أيضًا تشتت قوى الثورة التى احتفظت بمكانها فقط فى ميدان التحرير.


فمن سيختار الفريق أحمد شفيق هم المنحازون للدولة المدنية الحديثة ويخاف من وصول جماعة الإخوان المسلمين السياسية ذات الصبغة الدينية لحكم مصر، لغموض سياساتها، وخوفًا من حكم المرشد الذى لم ينتخبه الشعب، أما من سيختارون د. محمد مرسى فهم ضد سياسات النظام القديم وعانوا من الفساد، ولكنهم يخافون من عودة النظام القديم مرة أخرى، وفى المقابل لا يجدون مانعًا من أن يحكم مصر جماعة فى الأصل دينية دعوية ولكنها اتجهت للسياسة، ويجدون أيضًا مبررًا لتغير مواقف الجماعة تبعًا للظروف.


وهكذا.. رغم أن الديمقراطية لا تتفق مع الخوف أو توجد معه فى بيئة واحدة، فقد أصبح الخوف يتحكم فى الديمقراطية، ولذلك أول وأهم هدف للرئيس القادم هو إزالة الخوف من نفوس المصريين ليحل محله الحرية الناتجة عن وعى، والتى تتفق مع الديمقراطية.
اليوم السابع | نبيل ناجى يكتب: ديمقراطية الخوف 

Wednesday, June 13, 2012

الخوف في حياتنا

الخوف في حياتنا


هل شعرت بالخوف؟
وهل فكرت في أسباب خوفك؟
وهل هذه الأسباب حقيقية أم زائفة؟
ما مدى سيطرة مخاوفك عليك؟ وهل تتحكم في أفعالك؟
كم من الأفعال فعلتها بدافع الخوف؟
وكم من أفعال لم تفعلها بسبب الخوف أيضا؟

في مشهد من الفيلم الشهير "شيء من الخوف" يقف أهل القرية جميعهم أمام الترعة الجافة وفي بدايتها طلمبة المياه الرئيسية والأراضي حولها مشققة من العطش وكذلك الفلاحين وأطفالهم، ولا يجرؤ أحد من الموجودين أن يمد يده لفتح المياه خوفا من (عتريس) فيما عدا (فؤادة) التي قررت أن تفتح المياه وسط فرحة من الفلاحين.

والسؤال: إلى هذا الحد يأسر الخوف أصحابه؟ ولكن من ماذا يخاف أهل القرية والموت من العطش أمامهم؟ فهل الخوف يكون أقوي من خشية الموت؟ هذا رغم أن الخوف يقود إليه !!


الخوف في علم النفس: 
هو شعور قوي ومزعج تجاه خطر، والخوف له نوعان:

الخوف الموضوعي الذي يكون نتيجة تهديد حقيقي مثل تهديد من حيوان مفترس أو ما شابه ذلك أو خوف غير موضوعي والذي يسمى الـ (رهاب) وهو الخوف المرضي وينشأ عن مواقف لا تهدد الإنسان بشكل حقيقي كالخوف من الظلام أو الأماكن المغلقة أو المرتفعات، وهذا الخوف المرضي معروف بالـ (فوبيا).

والمخاوف المرضية الوهمية عادة ما تكون نتيجة المرور بخبرة سيئة في الماضي هي التي زرعت الخوف في المستقبل، ومن الغريب أن يكون الخوف من المجهول، وهذا المجهول لا يعرفه الإنسان ، فكيف تخيله؟ وكيف حوله لشيء ملموس كأنه موجود؟

وهنا تتدخل تصورات الإنسان وقناعاته وخبراته الشخصية في ذلك، فمن صعق من الكهرباء فلن يتجرأ ويتعامل مع الكهرباء فيما بعد، ومن سقط من مكان مرتفع لن يسكن في طابق مرتفع، والمثل الشعبي يقول: (اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي).

فمعظم المخاوف تكون نتيجة أحداث سابقة تم رؤيتها ولكنها تنعكس على أمور مستقبلية لم تأتي ولم ترى بعد خوف من تكرارها.


وهكذا يصبح الإنسان سجين مخاوفه، ولكن بداية التحرر من هذا السجن هو معرفة سبب هذا الخوف، والسؤال إذا كانت أسباب هذا الخوف قد زالت من الواقع وتوجد داخل الإنسان فقط، ثم خوض تجربة التغلب على الخوف بالتدريج بشكل محسوب.



تاريخ الخوف:
فإن كان الخوف يتحكم في كثير من تصرفات الإنسان ويوجهها، ولكن إن استعرضنا تاريخ الخوف أو الخوف في التاريخ، فسنجد أن الخوف أو الاحتياج للأمن هو الذي دفع الإنسان لحفر الكهوف والاحتماء فيها، وتطورت الكهوف لتكون بيوت محصنة ذات أبواب وأسوار، وعندما شعر باحتياجه للآخرين ليحتمي بهم تكونت القرى والمدن ذات الأسوار العالية، ثم توحدت المدن لتكون امبراطوريات وممالك لها حدود ويحمي الحدود القلاع العالية خوفا من الأعداء الموجودين أو الغير موجودين ولكن ربما يظهرون.


ونفس الفكرة هي التي دفعت الإنسان لتعلم فنون القتال وتكوين الجيوش النظامية التي صارت شرف لمن يلتحق بها بما فيها من أخطار إصابات أو الموت في الحروب؛ لأن من يشارك فيها لن يوصف بالخائف أو الجبان، وهكذا وجه الخوف الإنسان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، ففكرة المخزون الاستراتيجي للمال أو الذهب أو البترول نابعة من الخوف من فقدان هذه الأحتياجات الأساسية.


ولا تخلو تجربة الإنسان في مقاومة الخوف من بعض المحاولات الساذجة مثل بناء برج بابل، فبعد الطوفان خاف الإنسان من تكراره ويقضي عليه، فلجأ لبناء هذا البرج  ليحتمي به وقت الطوفان والذي عنده تبلبلت الألسنة وتعددت لغات البشر.

ومن الناحية السياسية،ونحن على بعد أيام من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، نجد أن اختيار الناخبين سيكون بدافع الخوف وليس الاقتناع، فمن سينتخبون الفريق أحمد شفيق هم من يخافون من حكم الأخوان المسلمين ومرشدهم الذي لم ينتخبه الشعب، ويهابون أفكارهم ومنهجهم وتغيير مواقفهم حسب الظروف، وإن كان هذا مبرر فلن يثبت لهم موقف لأن الظروف دائما متغيرة.


أما من سينتخبون د. محمد مرسي فهم من يخافون من عودة النظام السابق والفساد والقمع، وفي نفس الوقت ليس لديهم مانع من انتخاب رئيس هو مجرد واجهة لجماعة سياسية ذات صبغة دينية، وبغض النظر عن صحة هذه المخاوف فإنها تتحكم في اتجاهاتنا وتصرفاتنا.


ومن الناحية الأجتماعية، فيزداد الحديث الآن عن مخاوف الأقباط من المستقبل - رغم أن هذه المخاوف ليست جديدة - ومن حكم الرئيس القادم، فيخافون على أمنهم وحريتهم، ويخافون على بيوتهم وكنائسهم، وهذا نتيجة ما مر من حوادث شديدة العنف ضدهم.


فمثلا تجد أن في عمق الصعيد في قرية مثل قرية الكشح يكفي خلاف بسيط بين قبطي ومسلم ليتحول إلى عقاب جماعي لكل أهل القرية من الأقباط يترك خلفه عشرات القتلى وقد حدث هذا مرتان في نفس القرية، أو إشاعة تحويل منزل إلى كنيسة تؤدي إلي تكدير القرية بأكملها، والسيناريو الجديد وهو تحول أحد الأشخاص عن ديانة لأخرى لأسباب عادة ما تكون عاطفية، وأما عن تفجير كنيسة مثل ما حدث في كنيسة القديسين بالأسكندرية أو فتح النار بشكل عشوائي على الخارجين من الكنيسة في ليلة العيد مثلما حدث في نجع حمادي، فهذا من شأنه زرع الرعب والخوف في قلوب أجيال بأكملها.

وما يزيد من التخوف هو عدم معاقبة الجناة في الأحداث الطائفية فيما عدا طبعا إعدام (حمام الكموني) الذي أعدم وحده دون شركائه وقيل حينها أنه أعدم لأسباب سياسية، ولكن عدم الكشف عن الذين نفذوا مذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية أو التحقيق في أحداث ماسبيرو وتبرئة جميع المتهمين في الأحداث الطائفية، فهذا ما يثير المخاوف.


ويتضح من هذه الأحداث إنها عادة ما تكون مرتبطة بالأماكن الأكثر فقرا وجهلا، فلم نرى تلك القرى تطالب بتحسين الظروف المعيشية أو خدمات أفضل من الحكومة، ولكن الفقر المرتبط بالجهل يجعل التنفيس عن الذات في اتجاه الآخر المختلف وهذا ما يخيف !!.


أما عن مخاوف المسلمين، فقد تتعجب إن تكلمنا عن وجودها: فكيف لأغلبية عددية أن يكون لها مخاوف؟!! ولكن المخاوف قد تكون موجودة من سياسات ما قبل الثورة فمثلا التدين كان يعتبر تهمة ويكون ملتصقا بالتشدد أو التطرف أو حتى الأرهاب.

وكذلك تجد أن نداء بسيط من شخص في قرية أو حي شعبي بأن الدين في خطر ومهدد في بلاده قادر أن يحشد أعداد غفيرة قد تكون مستعدة لأي فعل حماية للدين حتى ولو كان الفعل فيه تجاوز أو تخريب أو إيذاء، فهذا رد الفعل السريع العنيف دليل على الخوف، والمشكلة في اعتقادهم في وجود من هو ضد الدين في بلد أغلبها متدينون، وهذا ما أشيع في وقت الاستفتاء على الدستور، فحتى إن تم تغيير المادة الثانية، فهل يستطيع أحد أن ينتزع الدين من صدور أصحابه؟؟!!


وهكذا يتحكم الخوف في تصرفات حامليه وكذلك تصورات الإنسان عن مخاوفه تتحكم في طرقه، وإن كان الخوف إحساس طبيعي يشعر به الجميع، ولكن سيطرته هي المشكلة، فإن تخيلت نفسك بدون مخاوف، ستشعر إن لك جناحان تستطيع أن تعلو بهما فوق مستوى أي عقبات.