الحياة في ورق سوليفان
قصة شبه حقيقية
بعد
عشرة أيام سيكون يوم فرحها، أعدت كل شيء وفستان الزفاف جربته عشرات المرات
ونظرت في جميع المرايا التي وجدتها وقد أتمت كل شيء حتى عطرها المفضل،
اشترت منه زجاجة جديدة ووضعته أمامها وكانت كل يوم تنظر له وتلمسه وتقربه
لأنفها لتستمتع برائحته.
لكن
هذه المرة، لم تتنسم نفس الرائحة التي تعرفها، كانت رائحته نفاذة أكثر
تقتحم الرئتين وتنفذ للقلب لتنقبض شرايينه، فلما أفاقت من غفوتها ووجدت
نفسها مستلقية في إحدى غرف المستشفى ويرن في أذنها ذبذبات الجهاز الذي
يراقب نبضات القلب وتتنفس رائحة الأدوية والتعقيم التي تسيطر على كل
أنفاسها الداخلة والخارجة، وجدت بجوارها أمها فاقدة الوعي ويخرج من جسدها
أسلاك كثيرة متصلة بهذه الأجهزة وترتدي ملابس المستشفى ذات اللون الواحد.
عندما
نظرت هذا لم تستطيع أن تدرك للحظة: هل هذا حلم؟ أم حقيقة؟ إنها تعرف جيدا
إن سبب كوابيس النوم هو كوابيس اليقظة التي نحيا فيها، فهل الكابوس هو ما
كانت تعيش فيه؟ أم أنه ما ستعيش فيه؟
فقد
كانت صوت أجهزة متابعة نبض القلب ترهبها وتخشى سماع ذلك الصوت المتصل الذي
يعبر عن النهاية وكذلك صوت قلبها بدأ يعلو حتى اختلط صوته بصوت الجهاز.
أما
أمها الخاضعة الآن لسيطرة كل هذه الأجهزة، فلم تكن رأتها من قبل إلا وهي
في قمة النشاط والسعادة، وابتسامتها الدائمة تتوج وجهها وحنانها الزائد
يغمر الجميع، فكانت تعيش معها كل أيامها وأحلامها حتى ظهر ذلك الرجل في
حياة ابنتها وطلب يدها، فعاشت معها مرحلة جديدة لتكون فيها أسرة جديدة
وليطمئن قلبها علي مستقبلها، حتى ذلك اليوم الذي اكتشفا فيه إنهما لا
يعرفان أي شيء !!
في
يوم الحقيقة الذي انكشفت فيه كل أكاذيب الوهم وعرفوا إن الإنسان الذي دخل
بيتهم وحياتهم ليس كما رأوه وعرفوه؛ يرتدي الأقنعة دائما ليخفي أكثر مما
يظهر واكتشفوا أنه لا يوجد أي شيء مما قال أو وعد أو قدم لهم، فلم يكن
يمتلك المسكن الذي رأوه وكذلك عمله الذي خسر فيه في يوم واحد آلاف الجنيهات
لم يكن موجود، ولم يخبرهم بأي شيء إلا قبل الفرح بعشرة أيام حتى لا
يستطيعوا التراجع أو الفرار وتهرب كل الحلول ما عدا حل واحد،هو حل القبول،
القبول بالأمر الواقع، ولكن قلب أمها لم يستطع احتمال كل هذا الانهيار،
فانطبقت جدرانه وضاقت مخارج دمائه وضعف نبضه.
قامت
من جلستها ناظرة لسكون الليل من خلال النافذة الوحيدة الموجودة بالغرفة
ونظرت القمر ولأول مرة لم تشعر إنه يكفي لإضاءة الليل، لأول مرة شعرت بضعف
نوره، رغم إنها كانت تؤمن أن شعاع خافت لشمعة واحدة يستطيع كسر الظلام وشقه
لنصفين.
خرج
منها نفس بصعوبة تلفظ معه حرقة قلبها وقالت: قد يُخدع إنسان في ماله أو
ممتلكاته ويسقط من الهزيمة، فيقول له الآخرين: مادمت إنك بخير تستطيع أن
تواصل وتقف مرة أخرى؟ ولكن ما قولهم لمن يُخدع في نفسه وحياته وتسرق منه
أيامه وأحلامه؟ لماذا دائما تذبح البراءة بسكين حاد؟
الإنسان النقي الذي يعيش في ورق سوليفان ليحميه من التلوث المحيط، لماذا ينزع عنه هذا السوليفان ليكون عرضة للعبث؟
من
يعيش داخل سوليفانه ويتعامل مع جميع الأمور من خلاله ويصنع لنفسه عالم
مثالي ولا يأتي في باله أنه يوجد من يستطيع أن يخترق وسطه النقي كمن يعيش
داخل فاترينة جميع ظروفها مهيأة؛ إضاءتها، ودرجة حرارتها، وديكورها، وينظر
للعالم من خلف فاترينته متوهما أنه ينظر ويختار من يدخل له، يظن أنه يلف
ويدور بين وحول العيون حتى يختار من يتطابق معه ولكنه يكتشف إنه هو المعروض
وليس له أي اختيار وأنه يدور على محور ثابت لكي يختاره أي أحد يستطيع
اختراق فاترينته، فالحماية الشفافة إن كانت من سوليفان أو زجاج لا تعطي
مناعة ومن السهل أن تكسر أو تخترق.
هذا وكلما عصف بوجهها
نسيم هواء الليل البارد تشعر بسخونة جسدها ويرتفع صوت دقات قلبها في أذنها –
ولكن يبدو أنه لم يكن قلبها – حتى انطلق صوت جرس الإنذار الذي جاء بعده
كثير من الأشخاص الذين اقتحموا الغرفة، والتفوا حول سرير أمها لينظروا
النهاية.
No comments:
Post a Comment