Friday, April 13, 2012

كيف الصليب؟

كيف الصليب؟

 
يوم فارق في تاريخ البشرية، ليس التاريخ المادي ولكن الروحي .. كيف كان المشهد؟ من الحاضرون؟ بم يشعرون؟ ولكن أن كنت معهم الآن؟ كيف سيكون حالك وأفعالك؟ هل كنت سترى؟ أم ستعمي بصيرتك الظروف والمحيطون؟ ها هو المشهد بقدر الإمكان ويشترك في حواره إنسان .. أنا أو أنت لا يهم من كان، فهو إنسان مثل أي إنسان.

الإنسان:
إلهي المجروح ..
في لحظة الحب العجيب .. في ذلك اليوم الرهيب .. كيف كنت؟ .. وكم كنت أنا في موقف صعب؟ .. وأنا أراك معلقا فوق الصليب.

بعد أن جبت يمين الأرض ويسارها .. بعد أن اخترعت وطورت وبنيت أبراجها .. أرى نفسي صغيرا أمام مشهدك .. في ملء الزمان كان فداؤك .. ليتني استطيع أن أعيش وقتها .. ولكن هل كنت سأكون مثلهم؟ .. ذلك الناكر الذي تنكر من وجودك وعبوديتك .. هل سأكون من باعك وجعل الغير محدود يقيم بنقود؟ أم كنت سأكون واقفا تحت الصليب مع الحبيب؟ .. وتلك من جاز في نفسها سيف .. ربي .. هل من مجيب؟ كيف رأوك عند الصليب؟

╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬

بطرس: مخلصي المصلوب ..
كنت معك أجوب وأجوب .. أراك تسرع لتخلص أولاد يعقوب .. كنت أرى ما له القلب يذوب .. فقد رأيتك متجليا فوق جبل طابور .. مع إيليا ونبي العبور .. رأيتك وأنت تقيم الفتاة وتتحنن على ابن أرملة نايين .. وكنت في ذلك اليوم .. يوم أخذت خبزا على يدك .. تقسم وتعطي لنا جسدك .. يوم وهبت لنا دمك .. لكي أعود وأدنو منك.

وهناك:- عندما التفوا حولك ماسكين .. كانوا عليك ضاربين .. شعرت بثقل المرار .. ولعنة الفجار .. جلست أصطلي لأرى ما حدث وما جرى .. تركت خالق الأنوار وجلست أحتمي بالنار .. أمام أمة أنكرت .. وأمام جارية لعنت .. ثم زدت وأزدت .. وعند الصياح المرير .. أبصرت عملي الحقير .. فلم يكن لي إلا الصراخ .. فالندم والبكاء والنواح .. لا أعلم كيف جرأت على عدم الإفصاح .. عن شخصك ولاهوتك العظيم .. فكنت خير تابع وخير ناكر .. لكنك لم تشأ أن تتركني كالخروف الضال .. فجئتني سائرا على الرمال .. لتذكرني إني مازلت عن يمينك .. وسأكون جندي في مسيرك .. وأحصل على صدق وعيدك .. وأكون في وسط قطيعك.

الإنسان: - ربي ..
بعد أن رأيت من معك ينكرك .. وأمام عبدة يلعنك .. يراك وقد سال دمك .. أرى نفسي كل يوم أتركك .. وأمام جماح العصر أجهلك .. بعد أن ذاق حلو كلامك .. ورأى عظيم أعمالك .. كلنا مثله نترك شراعك .. لكنك تمد يدك لتنتشل نفسي .. من وسط أمواج دهري .. مع إنك أعطيتني .. أن أدوس على طبيعتي .. ويكون فوق الأمواج مسلكي .. وحبك يكون لي دفتي .. ويمينك شراع رحلتي.

╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬

مريم المجدلية: - أيها المالك على خشبة ..
يا من تسجد له الشعوب خشية .. ونظرت إلى حقارتي .. فعليت من شأني .. كنت حبيسة تحت أسر سبعة شياطين .. لكنك أشرقت علي بنورك المعين .. أريتني نورك من بعد الظلام .. أريتني جمال رب الأنام .. فأنك أكثر جمالا من بني البشر.

فكيف؟ .. أراه وسط جراحه .. كيف؟ .. واستمع لصوت ألامه .. إلا أن صراخه يجذبني .. ونظرته تبكتني .. وعذابه يطهرني .. فتبعته وجثوت .. عنده ركعت .. استقبل قطرات دمه على قلبي .. لكي تسكت صراخ ألمه .. ذهبت وتشبثت بصليبه .. ينظر إلي من فوق .. كان عبدا في مظهره .. لكنه إلها في جوهره .. كيف أتركه وأفر هاربة .. وقد خلصني من سهام إبليس الملتهبة .. جثيت أمامه عند الصليب .. لأرى خلاصه العجيب .. لكنس البشر العنيد .. امسح قدميه بدمعي .. وأجعل من صليبه نور لعيني .. فقد توقف الزمان هنا .. اختلت النظم والأفلاك هنا .. عند فدائي أنا.

الإنسان: - إلهي المجيب ..
ليتك تقتحم حياتي وتنتزع رجساتي .. مثلما رفعت عنها عذابها .. رأت مجدك فكانت مجدلية .. كانت مدانة .. ولكنك وهبتها عطية .. أنا محتاج أن تنزع ألامي مثلها .. أنا محتاج أن تسد نقائصي وضعفاتي مثلها .. ربي كيف أراك تدمي ؟!! .. ويجف نبع دمعي؟!! .. إلهي أعطني الرجاء .. فبدونك لا عزاء.

╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬

يوحنا الحبيب: - ربي الحنون ..
قد بكت لك العيون .. وشكت لك الجفون .. وأنا متكأ على صدرك الحنون .. من على الشط دعوتني .. من وسط المياه انتشلتني .. فتركت صيد البحار .. واشتهيت صيد الأبكار .. فصرت صيادا مع رب الأبرار، كنت دائما متكأ على صدرك .. قريب لحبك .. قريب لقلبك .. حبيب بقربك .. كنت دائما قريب منك .. كنت دائما داخل قلبك.

وأيضا هناك: - حيث اقتادوك هناك .. حين كانوا يرتوون بالهلاك .. وأنت فوق كل خليق .. معلق على الصليب .. تفتح يدك ليرتمي بينهما كل أبناء البشر ..  كنت هناك مع أم فادي كل البشر .. أعطيتني إياها أما .. وسلمتني إياها ابنا .. عندما اتكأت وسألتك: من هو مسلمك؟ ..كنت دائما عن يمينك .. فلم أستطع أن اترك صليبك .. وفي هذه اللحظة: اشتقت لحنان صدرك .. اشتقت لدفئ قلبك .. حين كنت أسمع نبض قلبك .. في يوم الحب المهيب.

الإنسان: -
ليتني أستطيع أن أدنو منك .. وأرتمي وأسمع نبض قلبك .. مثل الحبيب الذي كان صدرك متكأه .. ويدك تجفف مدمعه .. لم يهرب مثل الباقين .. لأنه رأى دم الجبين .. من تحت الإكليل .. ولم يعبأ بأي دفين .. ليتني أذوق دفئ حضنك .. مثله .. أسمعني نبض قلبك.

╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬

مريم العذراء: - آه يا ابني وإلهي ..
لم يستطع الكلام أن يعبر عما بداخلي .. هل أفرح بخلاص البشرية؟ .. أم ابكي ودمعي يسقي البرية؟ .. سمعان قال لي: سيجوز في نفسك سيف .. فاستمعت وانتظرت سائلة: كيف؟ .. إلهي بين يدي .. منذ مولده .. منذ صباه .. منذ طفولته ..  إلهي بين يدي .. عندما كبر .. عندما كرز .. عندما خدم .. والآن عندما اخذ مني .. ليعلق فوق رأسي .. أرى دماؤه بعيني .. لم يكن يعبر عن ألمي أي شيء .. لم يكن يعبر عن ألمي أي لفظ .. لم يكن يعبر عن ألمي أي مكان .. أي مشاعر مريرة قد حملت .. أي نير ثقيل قد رفعت .. حين يفرح الجميع .. أكون بخلاف الجميع .. أكون غير كل الباقين .. عندما يفك أسر المأسورين .. ينزف قلبي حزنا .. وتبكي عيني ألما .. فليتهلل كل بني الإنسان .. فليفرح الخاطئ والتائب والتعبان .. .. فليأتي وينظر كل إنسان .. كيف كان يسوع كان .. يدوس وحده المعصرة .. يهب وحده المغفرة .. وسط ألمي وحزني .. أدعو بنو جنسي .. ليحيوا وهو يموت .. ليخلصوا وهو يذوب .. يذوب حبا وحنانا .. يذوب قوة وانتصارا .. يذوب رفعة وجمالا .. فلنفرح بآلامه  .. فلنحيا على آلامه.

الإنسان: -
لم تنساها عند الصليب .. فقد سلمتها للحبيب .. لم يكن الكلام يعبر عن آلامها .. فآثرت السكوت من دون الكلام .. من دون الآلام .. فقد كانت أم وإنسانة .. مخلصة وحزينة .. فرحة ومسكينة .. لم اعرف كانت ألم أم أم .. لم أعرف كانت ملكة أم هم .. أعرف إنها ولدت رافع الغم .. ونازع الإثم عبر الدم .. ربي .. المباركة بين النساء .. قد اختارت لها البكاء .. مع الفرح والرجاء .. فأعطنا كما أعطيتها العزاء.

╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬ ╬

اللص اليمين: -  هناك ...
وأنا معلق بجواره .. وأنا أرى من صلبوه .. واقفون تحت أقدامه يطالبوه .. إن كان ابن الله .. فليرفع عنه بلاه .. فليأخذه إلى سماه .. عندما جدفوا عليه ..  عندما هزأوا بيه .. حين قال لص اليسار .. خلصني .. خلصني وخلص نفسك .. إن كنت حقا بار .. حين رأيتهم يقفون تحت الصليب .. يطلبون ماسح لدمع النحيب .. حينما الأرض تزلزلت .. حينما رأيت الشمس تظلم .. حينما تفتحت القبور .. وقائد المائة يشهد إنه ابن الله .. أدركت إني معلق و استحق .. ولكني معلق بجوار من لا يستحق .. كنت قريبا منه أكثر مما استحق .. كنت قريبا منه أكثر ممن كان قلبه يرق .. لطعنة الحربة والمسمار يدق .. فقد سمع صوتي .. وسمع لاشتياق قلب خاطئ .. لكنه عرف عظمة البارئ .. فصرخت: "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك"

الإنسان: -  يا رب ..
قد رأيت لص يمينك .. رأيته مصلوب وأنا استحق مثله .. استحق أن أموت لإثمي .. أموت من ندمي .. لكن أنت منحتني .. فطلبت منك .. وسمعت مني .. فاصرخ معه .. أصرخ مثله: "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك"

والآن بعد أن كلنا اقتدناه .. بعد أن جعلناه .. يعلق وينزف ويدمي .. بعد رأينا كل ما يجري .. ماذا سيحدث؟ .. حين صرخ .. حين رفع صوته: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" .. حين نادى على أمه .. عندما سلمه إلى حبيبه .. بعد أن سمع تعيير المعيرين .. وسب الشاتمين .. وتشفي الشامتين .. ها هو يصرخ: "يا أبتاه في يدك استودع روحي" .. ثم ينزل رأسه .. وتنطفئ معه الشمس .. حين قال: "قد أكمل" .. حين تزلزلت الأرض وتشققت الصخور.

كفنت .. دفنت .. لكن متى سنرى انتصارك؟ حين يظهر روعة بهاءك .. حين يعود للأرض الضياء .. عندما نبحث عنك وسط الأكفان .. عندما تراك المجدلية خارج من وسط الآلام .. حين يذهب بطرس ويوحنا .. ويروا كيف أن الموت .. ليس له مكان .. حين تدخل والأبواب مغلقة .. وندرك ونؤمن ونفرح .. لأنه قام .. حقا قام.

الجمعة العظيمة (أبريل سنة 2000)

No comments:

Post a Comment