من هو رئيس مصر القادم؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال الجميع الآن، وما هي مواصفاته؟ فشباب الثورة
يرون أنه يجب أن يكون ثوري أي من نتاج ميدان التحرير، والمنتمين والمتعاطفين مع
التيارات الدينية السياسية كانوا لا يريدونه محسوبا على تياراتهم في بادئ الأمر
وأكدوا ذلك خصوصا الأخوان المسلمين لأنه لن يستطيع فصيل واحد تحمل عبأ إدارة الوطن
في هذه الظروف، ولكن هذا لم ينفذ فعليا على أرض الواقع.
أما الطبقة الوسطى أو العادية التي لا تجد
نفسها في التيارات السابقة ويفضلون الاستقرار يريدونه صاحب خبرة ومهارة في الإدارة
ودراية بالأمور السياسية الداخلية والخارجية والأهم الاقتصادية.
وهذا بعد فشل فكرة "الرئيس
التوافقي" حتى أصبحت هذه الكلمة سيئة السمعة يتبرأ منها كل من أطلقت عليه
وينسحب من السباق الرئاسي، رغم أن معناها في الأصل هو الرئيس الذي يوافق عليه
الجميع ولكنها تحولت في مفهومنا النابع من ثقافة "نظرية المؤامرة"
أنه هو الذي يتحالف أو يعقد صفقة مع المجلس العسكري أو الأخوان المسلمين أو كلاهما
معا.
وإن كان ما سبق يخص المرحلة النظرية في
التفكير، ولكننا الآن في مرحلة التطبيق، فقد أصبح عندنا العديد من المرشحين
الرئاسيين، وتم إغلاق باب الترشح، فمن هو الأصلح لقيادة مصر في المرحلة
المقبلة؟
ينقسم مرشحو الرئاسة إلى الفئات التالية:
1) من عملوا في الحكومة قبل الثورة مثل: أحمد شفيق، وعمرو
موسى.
2) المنتمون للجماعات الدينية السياسة: خيرت الشاطر ثم بديله
محمد مرسي عن جماعة الأخوان المسلمين.
3) مرشحين يحسبون على التيار الإسلامي مثل د. عبد المنعم
أبو الفتوح وهو من أقطاب الأخوان المسلمين وتم فصله بسبب قرار ترشحه للرئاسة
مبكرا، ومحمد سليم العوا الذي لا نشعر كثيرا بوجود حملته الانتخابية.
4) مرشحين اشتراكيين: مثل حمدين صباحي وخالد علي.
كنت اعتقد أن المرشحين الرئاسيين سيخاطبون
عقولنا ويشرحون لنا برامجهم وطرقهم لإدارة البلاد ويبرهنون على قدرتهم على حل
مشاكلنا، ولكن هذا لم يحدث؛ فإما إنهم يعتمدون على تاريخهم وسماتهم الشخصية، أو
قدرتهم على الحشد وإثارة المشاعر، وفي تلك الحالتين لا يوجد مكان للعقل.
ولكن يبدو إننا علينا أن نختار ممن هو متاح
لدينا، فقد يستبعد البعض المرشحين الذين عملوا في منظومة النظام السابق، رغم إن
مصر كلها كانت تحت مظلة هذا النظام والجميع عملوا وتعاملوا معه، فهل يمكن إقصاء
مرشح لهذا السبب دون إثبات تورطه في الفساد؟
ولكن أليس هذا هو ما قيل عن د. محمد البرادعي
حيث إنه لم يكن يعيش بيننا وإنه قضى معظم حياته في العمل بالخارج؟ فلو كان يعيش
في مصر، هل كان سيطلق عليه أيضا أنه من (الفلول)؟
وبالنسبة لمرشحين التيارات الإسلامية، فالأخوان
كما بات معروف عنهم أنهم يغيرون مواقفهم السياسية حسب الظروف، ودائما كان شعارهم
(المشاركة لا المغالبة) ثم عندما يصل للمغالبة، يقول: هذا هو حقي القانوني
والدستوري، فإن سألته: لماذا كنت تنفي ذلك وتؤكد العكس؟ يجيب: لطمأنة الناس، فيبرز
هنا السؤال الأعمق: لماذا يقلق منك الناس لتطمئنهم حتى بعد أن حصلت على أغلبية
مجلس الشعب؟؟ لماذا لا تتصارح وتتركنا نختار؟ وهل في هذا لاعتبارات وضغوط سياسية
أخرى؟
وبمناسبة مجلس الشعب، فأداء نوابه – المحسوبين
على الأخوان والسلفيين – الهزيل جعلنا نشك أكثر في نواياهم، وظهر ذلك بوضوح في
محاولة تفصيل قانون العزل السياسي بعد ترشح عمر سليمان للرئاسة مع أن الفكرة لم
تكن مطروحة قبل ذلك في وجود مرشحين عملوا أثناء النظام السابق مثل أحمد شفيق وعمرو
موسى، وبالرغم من إعلان الأخوان لدعمهم لحكومة الجنزوري في بادئ الأمر رغم اعتراض
الشارع الثوري عليها ولم يحركوا ساكنا بعد مذبحة إستاد بورسعيد، ولكن فجأة بعد سفر
المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات العمل المدني ثاروا على
الجنزوري وحكومته حين ظهر حلمهم بتشكيل الحكومة، ومما لا شك فيه إن أرواح المصريين
التي زهقت في بورسعيد كانت أولى بالتحرك لكشف الجناة عن سفر المتهمين الأجانب
وتهمهم مجرد مخالفات وليست جنايات، فإن كان هذا حال مجلس الشعب، فكيف سيكون حال
البلد تحت إدارتهم؟
ثم لجأ الأخوان للتصعيد مرة أخرى بترشيح أحد
أفراد الجماعة للرئاسة بحجة تغير الظروف رغم نفي ذلك من قبل بشدة وأيضا وضع بديل
له وهذا ليس مبرر لأن هذا يُفقد الثقة ويدل على أنه لا توجد رؤية وتغيير المبادئ
ونقض الوعود وارد، والغريب إن فكرة إسقاط الحكومة اختفت تماما بعد ترشح خيرت
الشاطر كأن فكرة الحكومة كانت مجرد ذريعة لترشيح الشاطر.
أما د. عبد المنعم أبو الفتوح (القيادي البارز
في جماعة الأخوان سابقا) فيرى فيه البعض الرئيس المناسب ذو المرجعية الدينية وفي
نفس الوقت صاحب فكر ثوري متحرر ومتطور، ولكن يراه البعض الآخر أنه من الصعب أن
يتخلى عن فكره الأخواني الذي عاش فيه معظم حياته، خصوصا بعد تصريحه قبل ترشح
الشاطر: إنه استقال إداريا وليس فكريا وإن الأخوان في قلبه رغم أنه قال بعد ذلك أن
مصر كلها في قلبه وليس الأخوان فقط عندما سئل عن صحة هذا التصريح، وذلك بجانب
تصريحه الأول: إنه لن يستطيع الأخوان منع أفراد الجماعة من انتخابه وحتى المرشد
نفسه سيعطيه صوته.
ويبقي بقية المرشحين لكن بدون شعبية كبيرة مثل
حمدين صباحي صاحب الفكر الاشتراكي النبيل ولكن هذا الفكر أنتهي شعبيا بعد جمال عبد
الناصر.
فالسؤال الآن: هل ستنتصر الخبرة ومهارة الإدارة؟ أم التيارات الدينية السياسية
وحشودها؟ أم أصحاب الأيدلوجيات المنقرضة؟ وقبل الإجابة، فلنسأل سؤال آخر:
من أجل من قامت الثورة؟ هل من أجل فئة واحدة؟ أم من أجل مصر كلها؟
الثورة قامت من أجل كل إنسان عادي يمشي في الشارع ويحلم بتحقيق
طموحاته، فلنحكم عقولنا.
نشر موقع (جريدة اليوم السابع) هذه المقالة، برجاء الضغط على الرابط التالي:
No comments:
Post a Comment